غير مصنف

بزيارة سرية ومفاجئة.. هل بحث الأسد مع بوتين مصيره السياسي؟

مُفاجئة، وغير متوقعة لأحد، تماماً كحال الهجمات الروسية الجوية ضد المدن السورية، التي بدأت مساء يوم 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى موسكو مساء أمس الثلاثاء، التي وصلها “سرّاً” وعاد منها “فوراً” قبل أن يعلم أحد، ليسمع العالم بالأنباء صباح اليوم الأربعاء بعد أن استقر الأسد في مخدعه بدمشق مجدداً، وفق ما أفادت الرئاسة الروسية.

وليس أدل على أهمية ومصيرية الزيارة الخاطفة، أكثر من كونها الأولى له خلال أكثر من أربع سنوات ونصف السنة، هو عمر الثورة السورية التي اندلعت منتصف مارس/ آذار 2011 وحاصرت الأسد وحبسته داخل أسوار البلاد، إذ لم يزر منذ ذلك الحين حتى أقرب حلفائه إليه وهي إيران، التي زار مرشدها الأعلى، علي خامنئي، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2010، قبل خمس سنوات.

ولا شك أن التدخل الروسي في سوريا، أو “المساعدة الروسية” كما أسماها الأسد، إلى جانب الحليف الضعيف الذي لم تفلح كل محاولات الإنعاش، بما فيها 5 استخدامات روسية للفيتو في مجلس الأمن، وإمدادات معلنة وسريّة بالسلاح والذخيرة، وعون إيراني مفتوح بالمال وبالمليشيات والمستشارين والمرتزقة والسياسة، في منع تفككه وتساقط المدن من قبضته. التدخل الروسي الأخير هو العنوان العريض لهذه الزيارة، بالأخص أنه -على ما يبدو- سيكون آخر ما يمكن لأي أحد، تقديمه للأسد.

زجت روسيا هذه المرة بكل ثقلها، في تدخلها إلى جانب النظام السوري في قمعه للثورة الشعبية ضد حكمه، واستخدمت في ذلك أسلحة متطورة تستخدمها للمرة الأولى، مستهدفة كل المناطق التي يريد الأسد استعادتها، سواء كان فيها تنظيم “الدولة” الذي اتخذته موسكو مطية لتدخلها، أم لا، في حين لم تتورع، تماماً كقوات الأسد، عن استهداف أحياء وأماكن آهلة بالسكان، وهو ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا بينهم أطفال ونساء وعمال دفاع مدني، وكان آخر ذلك استهداف مدرسة تؤوي نازحين في ريف حماة، اليوم الأربعاء، بقصف جويّ للمقاتلات الروسية أوقع قتلى وجرحى.

– خصائص الزيارة

وتتميز هذه الزيارة ليس بكونها مفاجئة فحسب، بل كذلك بأنها جرت بسرية تامة، فقد ذهب الأسد إلى موسكو وعاد منها من غير أن يعلم أحد بالأمر، وهي دلالة على حيطة استثنائية من رئيس النظام المتهاوي، ربما من أية إجراءات محتملة في الأجواء من قبل دول ترى أنّ الأسد يجب أن يرحل بأيّ صورة، أو حتى خشية انقلاب من متذمرين كثر داخل منظومة الحكم خاصته ذاتها.

الكرملين، وصف الزيارة بأنها “زيارة عمل”، ولا يبدو ذلك دقيقاً، فزيارات العمل الرسمية لا تجري عادة في الخفاء، كما كان واضحاً أن الأسد غادر إلى روسيا بمفرده، دون أي وفد مرافق أو أي عضو في حكومته. ومع أن الرئاسة الروسية اعتبرت أن مدة الزيارة “طويلة بما يكفي”، إلا أنه من الواضح أنها لم تستغرق سوى سويعات قليلة خلال الليل الحالك.

وهذا ما أكده السفير السوري في موسكو، رياض حداد، الذي قال إن الزيارة “كانت قصيرة، واقتصرت على مباحثات حول الوضع السياسي العسكري في سوريا”، وفق ما نقلت روسيا اليوم.

– مصير الأسد

وتتزامن زيارة الأسد مع تسريبات نشرتها وسائل إعلام تركية ووكالات أنباء، نقلاً عن مسؤولين في وزارة الخارجية، تحدثت عن خطة لأنقرة ناقشتها مع موسكو، وحظيت بتأييد الدول الكبرى على رأسها واشنطن، تتلخص باستعداد الأتراك لقبول انتقال سياسي في سوريا، يظل بموجبه بشار الأسد في السلطة بشكل رمزي لمدة ستة أشهر، مع ضمان تنحيه بعدها.

ونقلت رويترز عن مسؤول تركي أن “العمل على خطة لرحيل الأسد جار. يمكن أن يبقى ستة أشهر؛ ونقبل بذلك لأنه سيكون هناك ضمان لرحيله”، مضيفاً: أن “تركيا تحركت قدماً في هذه القضية لدرجة معينة مع الولايات المتحدة وحلفائنا الآخرين. لا يوجد توافق محدد في الآراء بشأن متى ستبدأ فترة الستة أشهر هذه، لكننا نعتقد أن الأمر لن يستغرق طويلاً”.

وبحسب التسريبات، فإن الخطة التركية المكونة من 5 إلى 6 بنود لا تتضمن الرحيل الفوري للأسد، ولكنها “تقبل ببقائه في منصبه لمدة ستة أشهر كفترة انتقالية، حيث يتحول المنصب، بموجب الخطة، إلى منصب رمزي، مع إنشاء هيئة انتقالية للحكم، يتم بموجبها نزع صلاحيات الأسد المتعلقة بإدارة أجهزة الاستخبارات ووزارة الدفاع، وسلاح الجو، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية التي يجب أن تكون دولة علمانية ديمقراطية”.

وتذكر التسريبات أن تركيا سعت إلى إقناع موسكو بالخطة الجديدة، خلال اللقاء الذي انعقد بين كل من وزير الخارجية التركية، فريدون سينيرلي أوغلو، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، في مدينة سوتشي الروسية، وأيضاً خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى العاصمة الروسية موسكو، الشهر الماضي، للمشاركة في إعادة افتتاح مسجد موسكو الكبير، وتلتها تصريحات أردوغان التي أثارت جدلاً كبيراً في ما يخص القبول بمرحلة انتقالية مع الأسد أو من دونه، مع تأكيد مصادر تركية أن الإدارة الروسية أبدت موافقتها المبدئية على التعاون ورغبتها بالعمل مع تركيا.

وفي حين رفض المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الرد على سؤال بشأن ما إذا تناولت مباحثات الرئيسين الروسي والسوري مستقبل الأسد، إلا أنّ ذلك لا ينفيه، بل يكاد يؤكده، لا سيما إذا علمنا أن الزيارة تتزامن كذلك، مع اقتراب موعد اللقاء الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، حول سوريا، الذي يفترض أن يجمع الولايات المتحدة والأردن وتركيا وروسيا والسعودية، في عاصمة إحدى الدول الأوروبية على الأرجح.

ويأتي ذلك أيضاً بعد أيام من تصريحات رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، التي شدد فيها على أن روسيا تدافع عن مصالحها القومية في سوريا لا عن أشخاص بعينهم، معتبراً “أن بقاء بشار الأسد في السلطة ليس مسألة مبدئية بالنسبة إلى موسكو”، قائلاً في تصريحات لقناة “روسيا-24” منتصف الشهر الجاري: “نحن بالطبع لا نقاتل لصالح قادة محددين، وإنما ندافع عن مصالحنا القومية”. وتابع: “مسألة الرئاسة السورية أمر يقرره الشعب السوري”.

– ما الجديد في زيارة الأسد لموسكو؟

وطبقاً لما نشرته وسائل الإعلام الرسمية الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد، فإن اللقاء لم يثمر عن جديد، اللهم سوى تأكيد بوتين أن روسيا ستعود للدول الإقليمية والكبرى لبحث الحل السياسي؛ ما يعني أنها غير قادرة على ابتكار الحل وحدها، وفق ما قد يتوهم أنصار الأسد.

وقال بوتين: إن “التطورات على الجبهة العسكرية في سوريا ستوفر قاعدة لحل سياسي طويل الأمد، تشارك فيه كل القوى السياسية والجماعات العرقية والدينية في سوريا”، مضيفاً: “نحن مستعدون للمساهمة ليس فقط في مسار العمليات العسكرية في “التصدي للإرهاب”، ولكن أيضاً في العملية السياسية. وسيكون هذا بالتأكيد من خلال التواصل عن كثب مع قوى عالمية أخرى، ومع دول في المنطقة يهمها التوصل لحل سياسي للصراع”.

وتحمل الزيارة، فيما تحمل، استعراضاً روسيّاً بالقوة والإمكانات ومخالفة المألوف دولياً؛ بغية الضغط أكثر للحظوة بمكاسب سياسية أكبر، وفق ما يرى مراقبون.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى