لفت نظري الأحداث المتكررة التي ترافق موسم الحج، على الرغم من كل جهود وبرامج التطوير التي تبذلها المملكة العربية السعودية على الصعد كافة، وهو ما جعلني أبحث عن خيوط تفك هذا اللغز وتوضح أبعاده ومخاطره… وهي كما تبين لي بعد البحث والمتابعة الدؤوبة، مخاطر كبيرة وخطرة، وقريبة جداً كما سيتبين من خلال المقال، خصوصاً إن تقاعسنا وسمحنا لهذا السيناريو بأن يتحقق على أرض الواقع.
عندما لم أجد معلومات واضحة وكافية عن حادثة منى الأخيرة، ذهبت أبحث عن الجهات المهتمة والمستفيدة من هذه الأحداث، فرحت أرصد الكتب وأقلب نظري بين الصحف والمواقع، لأجد أن أكثر الجهات اهتماماً بأمر مكة والكعبة، هما تل أبيب وطهران، فعندما وصل القائد البريطاني، اليهودي الأصل، كرومر إلى مصر قال مقولته الشهيرة: “جئت لأمحو ثلاثاً، القرآن والكعبة والأزهر…”، وهي رؤية طالما وافقه عليها بعض المبشرين والمستشرقين الذين أكدوا أن المسلمين يرتبطون بثلاث دوائر تشكل بتوجيهاتها ورمزيتها سياجاً يقف بين الغرب والوصول إلى قلوب المسلمين وعقولهم؛ هي القرآن والقبلتان (الكعبة والأقصى)، والمسجد النبوي، والمؤسسات الشرعية المعتدلة.
وبينما تكفلت تل أبيب بالمرحلة الأولى وتخريب بيت المقدس، فقد أخذت طهران على عاتقها تطبيق المرحلة الثانية، أي احتلال مكة والمدينة، وتهديم الكعبة المشرفة والمسجد النبوي، مستندين إلى روايات وأوهام تاريخية، ومقاربات رقمية غير مبنية على أي منطق علمي مقبول.
بدأ الحديث عن غزو مكة المكرمة والكعبة المشرفة مبكراً بعد ثورة الخميني، ففي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبادان في 17/3/1979م تأييداً لإقامة الجمهورية الإسلامية، ألقى الدكتور مهدي صادقي، أحد رجالات الجمهورية الإيرانية خطبة وصفت بأنها مهمة وخطيرة، جاء فيها: “أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله يحتلها شرذمة أشد من اليهود”.
ونشرت مجلة الشهيد الإيرانية، لسان علماء مدينة قم، في عددها (46) الصادر عام 1980م، صورة تمثل الكعبة المشرفة، وإلى جانبها صورة تمثل المسجد الأقصى المبارك، وبينهما صورة يد قابضة على بندقية، وتحتها تعليق نصه: “سنحرر القبلتين”!!
وفي تصريح للخميني لجريدة “كيهان” بتاريخ 1987/8/4، خاطب المملكة مهدداً: “سوف نحاسبهم بعون الله في الوقت المناسب، وسوف ننتقم لأبناء إبراهيم من النماردة والشياطين وأبناء قارون”، وقال في حديث علني آخر، بثته إذاعة طهران بتاريخ 1988/7/20م: “سوف نزيل آلام قلوب شعبنا بالانتقام من أمريكا وآل سعود إن شاء الله في وقت مناسب، وسنضع وسم حسرة هذا الجرم الكبير على قلوبهم، ونضع حلاوة في حلق أسر الشهداء بإقامة حفل انتصار الحق، وبتحرير الكعبة من يد الآثمين، سوف نحتل المسجد الحرام”.
كما هدد الرئيس الأسبق، رفسنجاني، السعودية باحتلال الحرمين الشريفين، حيث صرح لصحيفة “اطلاعات” بتاريخ 14/ 12/ 1987م أنه “إذا كان علماء المسلمين في العالم غير مستعدين لتقبل مسؤولية إدارة مكة المكرمة، فإن جمهورية إيران الإسلامية لديها الاستعداد للحرب من أجل تحرير هذا المكان المقدس”.
وقال آية الله العظمى حسين الخراساني، أحد أعمدة الحكم في الجمهورية الإسلامية، في كتابه: “الإسلام على ضوء التشيع”: “إن كل شيعي على وجه الأرض يتمنى فتح وتحرير مكة والمدينة وإزالة الحكم الوهابي عنها”! حسب تعبيره.
المعاصرون من “كُتاب وخطباء ومفكري” الطائفة أذاعوا المخطط، ونشروا تفاصيله الفظيعة بحذافيرها، ومختصره أنهم سيقومون بهدم المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، ونقل الحجر الأسود إلى الكوفة، وجعلها عاصمة الإسلام وكعبة المسلمين، ونبش الحجرة الشريفة، وإخراج أبي بكر وعمر وحرقهما، وقتل جميع العرب، وقريش في مقدمتهم، وإعمال السيف هرجاً في النواصب (أهل السنة)، ثمانية شهور، واستئصالهم على بكرة أبيهم، والحكم بشريعة غير شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام، وبقرآن غير القرآن الذي نعرفه، وقد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تطبيق مخططهم هذا، وباتوا فقط ينتظرون ساعة الصفر، ليخرجوا لنا هذا المهدي المزعوم، وكل ذلك له روايات رددتها الكتب والخطب المنبرية على السواء، وامتلأت بها عقول الأتباع ومواجيدهم.
فوفقاً لمجموع روايات نظرية ظهور المهدي، اكتملت كل علامات وإشارات الظهور، وهم يتهيؤون لـ”ظهور المهدي” وللأحداث الدامية والخطيرة التي ستسبق وترافق ذلك الظهور خلال الأيام القليلة القادمة، ولا يختلف في ذلك المواطنون العاديون والمنظمات المدنية والمسلحة والمسؤولون الحكوميون، فهذا مستشار للخامنئي وقائد في الحرس الثوري الإيراني يصرح قبل أشهر، مستنداً إلى هذه الروايات بقوله: “لن يظهر “المهدي” إلا بعد سفك دماء أهل الحجاز والعراق والسيطرة عليهما”، ومعلوم أن الحكومة في العراق اليوم باتت بأيديهم وتحت تصرفهم، وبقيت الحجاز- لا قدر الله – لتحقيق أحلامهم المريضة.
من بين علامات ظهور المهدي بزعمهم، ظهور اليماني والسفياني والخراساني، فاليماني، وهو قائد اليمن، ومن الشخصيات التي ستؤسس دولة المهدي وتعلن مساندته، والسفياني، زعم بعضهم أنه زعيم تنظيم الدولة “أبو بكر البغدادي”، والخراساني (وعندنا اليوم خراسنيان أحدهما مع المهدوية، وله فصيل معلن في العراق، والآخر ضد المهدوية، وهو يقود فصيلاً في الشام بحسب الرواية الأمريكية التي أعلنت وجوده)، وهكذا، فإن سقوط بعض الأجزاء من سوريا والعراق في أيدي تنظيم الدولة يتماشى مع سيناريو الروايات.
واعتبر كثير من متتبعي هذه الروايات أن اليمن هي العلامة الأخيرة قبل ظهور مهديهم المزعوم. الشيخ علي الكوراني، أفرد فصلاً كاملاً عن اليمن في كتابه “اليمن في عصر الظهور”، ومما جاء فيه: “وردت في ثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي أحاديث متعددة عن أهل البيت، منها بضعة أحاديث صحيحة السند، وهي تؤكد حتمية حدوث هذه الثورة وتصفها بأنها راية هدى تمهد لظهور المهدي وتنصره”.
وأضاف الكوراني أن ما وصفها بـ”النبوءات أو الروايات”، تتحدث عن راية اليمن بأنها “أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وتؤكد على وجوب نصرتها كراية المشرق الإيرانية وأكثر، وتحدد الأحاديث وقتها بأنه… قبل ظهور المهدي ببضعة شهور، … ويذكر بعضها أن عاصمتها صنعاء”.
وكان قد شاع بين مجتمعات شيعية متعددة- وخصوصاً في جنوب لبنان- أن حسن نصر الله هو اليماني، وأوَّلوا النصوص مع أن نصر الله، ليس من أهل اليمن، ولكن عادت أغلب هذه الآراء وتوجهت نحو الحوثي بعد زحفه إلى العاصمة صنعاء وسيطرته على أجزاء واسعة من اليمن، فذلك أكثر انسجاماً مع الروايات الواردة في هذا الباب، وفق ما جاء في بعض الروايات بأن المهدي “يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة” (بحار الأنوار للمجلسي: 52/380)، ووفقاً للكوراني في كتابه المشار إليه أعلاه، فإن “كرعة قرية في منطقة بني خَوْلان باليمن قرب صعدة، وإن صحت الرواية فلا بد أن يكون المقصود فيها أن اليماني يبدأ أمره من هذه القرية، كما ورد أن مبدأ أمر المهدي من المشرق، أي مبدأ حركة أنصاره، لأن الثابت المتواتر في الأحاديث أن المهدي عليه السلام يخرج من مكة من المسجد الحرام”.
هذه الرواية أججت العواطف لدى منتظري الظهور، خصوصاً مع صعود نجم عبد الملك الحوثي زعيم حركة “أنصار الله”، فالحوثي ولد في صعدة عام قيام الثورة الإيرانية في 1979م، وانتقل إلى صنعاء في تسعينات القرن الماضي للعيش مع أخيه الأكبر حسين، مؤسس جماعة “الشباب المؤمن” التي تحولت فيما بعد إلى “أنصار الله”.
باحثون شيعة اهتموا بدراسة قضية الظهور من زاوية أخرى تعتمد على التناظر الرقمي مع الحروف والكلمات (وهي الطريقة المتبعة في كتاب الجفر الشيعي الذي جاءت بذكره عدة روايات)، وكان أكثر باحث في هذا المجال تأثيراً في وسط أنصار هذه النظرية، هو الباحث جابر البلوشي الذي ألف كتاباً بهذا الخصوص عام 2006، كان عنوانه: “ظهور الإمام المهدي عام 2015م”، وزعم فيه أن ظهور المهدي في مكة سيكون في أيام شهر محرم الذي سيأتي خلال عام 2015م، ووفقاً للنصوص القرآنية والتوراتية، وللروايات النبوية ولأقوال الأئمة في الكتب الشيعية، ولعلم تناظر الحروف مع الأرقام “الجفر”، فإن المهدي سيخرج في هذا العام، مشيراً إلى أنه لا بد من خروج الشخصيات المكملة للمشهد المهدوي؛ من “سفياني ويماني وخراساني”، وغيرهم، قبل نهاية هذا العام، وقد حول البلوشي هذا الكتاب إلى محاضرة لاقت رواجاً وانتشاراً بين المهتمين عبر اليوتيوب منذ عام 2012 وإلى اليوم.
آخر ما جعل هذا المنطق مقبولاً بنظر الأتباع والمتابعين، هو أن يوم التاسع من محرم سيوافق هذا العام يوم الجمعة، ويوم العاشر من محرم (عاشوراء) سيوافق يوم السبت، وهو ما يتطابق مع الروايات التأريخية الشيعية، (يوم الخلاص / 286، والبحار 6/ 53، وتأريخ ما بعد الظهور / 386، وإلزام الناصب / 190)، وتفسيراتها الحديثة.
سبق لأحد البريطانيين من أصل باكستاني أن أنتج فيلماً حمل اسم (313)، في عام 2008م باللغة الإنجليزية، ورسم فيه مشهداً لما سيحصل في مثل هذا اليوم، مستنداً إلى الروايات التي مر ذكرها وغيرها، وتدور قصته، وفقاً للباحث السعودي في شؤون العقيدة والفكر الإسلامي عايض الدوسري، حول شابٍّ شيعي يعمل ويتكسب من ترويج المخدرات، تتسلسل الأحداث لنراه أصبح من أقرب الشخصيات إلى “المهدي المنتظر”، ويصبح أحد أركان وأعمدة ثورته التي تتكون من (313) شيعياً انتخبوا كأفضل شيعة حول العالم.
الفيلم يبدأ من مدرسة شيعية يكلف مديرها هذا الشاب بعمل بحثٍ دراسي عن سيرة ونبوءات المهدي المنتظر. ويشير صراحة إلى أننا في زمن ثورة المهدي، وأثناء بحثه عن حقيقة المهدي يرى الشاب الشيعي رؤيا تشير إلى أن ثورة المهدي لا تكون إلا بتحقق بشارتين، وهما: سقوط العراق- ويعرض الفيلم لمقطع من خطبة جورج بوش وهو يتحدث عن الهجوم على العراق- وإضعاف قوته ثم إسقاطه، والبشارة الثانية، أحداث فظيعة ورهيبة تحدث في موسم الحج، حيث تتلطخ أستار الكعبة المشرفة بالدماء، ويعرض الفيلم للكعبة المشرفة في رؤيا الشاب الشيعي وقد لطختها وكستها الدماء من كل اتجاه.
وفي نهاية الفيلم تتحقق هذه البشارة، فيشاهد الشاب في نشرة الأخبار العالمية أن فوضى عارمة واضطرابات كبيرة في مكة والحرم المكي قد حصلت فعلاً، ووكالات الأنباء العالمية تغطي وتتابع مظاهر الفوضى وهروب الحجاج في كل اتجاه مع الفزع والرعب، وتشتت أهل مكة وهروبهم، ليتبين فعلاً أن مقتلة حدثت حول الكعبة وتلطخت أستارها بالدماء، وتعم الفوضى، ورجال الشرطة الذين يحاولون دون جدوى إخلاء المنطقة! في هذه اللحظة يُعرج بالشاب الشيعي- مروج المخدرات- ليكون ضمن نخبة (313) الخلص، لتبدأ الثورة، وعندها سيحتل المهدي الكعبة وسيعلن خطابه للعالم وحكمه للبشرية جمعاء، وتنطلق منها ثورته ليطهر الأرض من الشرور والآثام ويأتي بالعدالة، ومعه الـ (313)”.
والرقم الأخير يمثل إسقاطاً آخر من الإسقاطات التأريخية وحشداً لها بهدف إضفاء المصداقية على الروايات، حيث سيكون عدد من ينصرون (المهدي) بعدد من نصروا نبي الله يوم بدر، فقد جاء في إحدى الروايات التي ينسبونها إلى محمد الباقر وجعفر الصادق، الإمامين الخامس والسادس عند (الاثنا عشرية)، أن “أصحاب القائم عليه السلام الثلاثمئة والبضعة عشر رجلاً، هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه ﴿ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة…﴾، قال: يجمعون له في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف (تفسير العياشي، والغيبة للنعماني، وإثبات الهداة، والمحجة، والبحار، وغيرها)”، وتصرح بعض هذه الروايات أنهم بعدد أهل بدر.
علينا هنا أن نتذكر الدماء التي سالت في الكعبة بسقوط رافعة الحرم، والأرواح التي أزهقت بعدها بيومين في صعيد منى، وما راج من شهادات شهود عدة عن قيام بعض الحجاج الإيرانيين بالسير عكس اتجاه الحشود الماشية لرمي الجمرات، وتجاهل إرشادات وتوجيهات رجال أمن المشاعر، وهو مما تسبب باضطراب السير وتكدس الناس وموت ما يقرب من ألف حاج، وفقاً لبعض المصادر، وعلينا أن نركز أكثر على مجموعة من الإيرانيين بعضهم شخصيات مهمة ومقربة من الخامنئي، دخل بعضهم المملكة بأسماء وهمية، واختفى أثرهم كما يؤكد ذووهم وفقاً لمواقع إيرانية رسمية وغير رسمية، ويتحدث الإيرانيون عن 329 حاجاً لم يعودوا أحياءً ولا بين الجثث المسلمة من المملكة!! فأين اختفى هؤلاء؟
نحن أمام احتمالين هنا في ظل شح المعلومات عن المختفين، وتأخر التحقيقات التي تجريها المملكة حول الحادثة وملابساتها، فقد يكون الأمر مبيتاً لإحداث الفوضى وإخفاء هذا العدد من الشباب (الأعاجم)، كما تصفهم إحدى الروايات، ليتسللوا إلى الحرم يوم الجمعة، التاسع من محرم، وينتظروا ظهور (المهدي)، ونصرته وطلب البيعة له يوم السبت العاشر من محرم بزعمهم، ودائماً كما يرسمه سيناريو الروايات.
ولا بد هنا من العودة إلى روايات الظهور- وفقاً للمنظور الشيعي- لنعيش المشهد كاملاً، قبل الحديث عن الاحتمال الثاني، حيث تبدأ الأحداث- وفقاً للروايات الدموية- في مكة المكرمة، وتقضي القصة بأن يكون في مكة ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من الشباب من أولاد (العجم) خاصة، وهم الذين يبادرون إلى بيعة المهدي ، وهؤلاء يلتفون حول المهدي كما يذكر محمد الصدر، إذ ما إن يتسامع الناس بالمهدي حتى يأتوه ليقتلوه، فيقوم هؤلاء الأعاجم بالدفاع عنه، وأن هؤلاء هم الطليعة الأولى للثورة العالمية الجديدة، وأنه سيكون هناك عشرة آلاف مقاتل على الاستعداد للتدخل فوراً لحمايته، وأنهم سيأتون إلى مكة في وقت سريع جداً… ولا غرابة في ذلك فنحن اليوم في عصر الطائرات.
ويضيف الصدر شارحاً جوانب المخطط فيقول: “إنه ينادى باسم المهدي في شهر رمضان، ويكون موعد ظهوره في العاشر من محرم الحرام، وسيمر خلال هذه الفترة موسم الحج في ذي الحجة الحرام، وحيث يعلم المخلصون الممحصون حصول الظهور بمكة، كما يعلمون بانفصال وقت الظهور عن وقت النداء زماناً ليس بالكثير… إذن فسوف يسافر إلى الحج في ذلك العام كل راغب بلقاء الإمام المهدي مع سائر الحجاج، وبعد انتهاء موسم الحج سيتخلف هؤلاء في الحجاز، أو في مكة على التعيين بدافع من رغبتهم الملحة في حدوثه، وسيبقون هناك حتى يحصل الظهور في محرم الحرام” (محمد الصدر، تاريخ ما بعد الظهور / 384).
كامل سليمان يتحدث في كتابه (يوم الخلاص / 318) عن ساعة الصفر، وتبدأ بدخول المهدي مستتراً إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة في يوم الجمعة التاسع من المحرم، ويبدأ الأحداث بقتل خطيب الحرم اغتيالاً، حيث يروي كامل سليمان ذلك في كتابه يوم الخلاص: “إن المهدي يقتل خطيبهم (في إشارة لأهل السنة والجماعة) في التاسع من المحرم، ويتخفى في الحرم حتى يجن الليل فيصعد سطح الكعبة وينادي أنصاره فيلبون من مشرق الأرض ومغربها، ثم يصيح نهار السبت في العاشر من محرم فيدعو الناس إلى بيعته، فإذا ثار الناس قام الثلاثمئة وثلاثة عشر نفراً الذين سافروا سراً إلى مكة، وتخفوا لهذا اليوم بالتصدي لموجة الغضب” (يوم الخلاص / 286 ، والبحار للمجلسي، 53 / 6 ).
ويؤكد الصدر أن “هؤلاء الثلاثمئة والثلاثة عشر شاباً من الأعاجم يمكن أن يصلوا مكة على دفعات، لكن ظهورهم عند البيعة سيكون في وقت واحد، وستكون هذه البيعة يوم السبت الذي يوافق العاشر من المحرم، لأن ذلك هو اليوم الذي قتل فيه الحسين) (يُنظر كذلك: كامل سليمان، يوم الخلاص / ص 286 ، والشيخ الصدوق، إلزام الناصب / ص 190 ).
وفي يوم السبت، العاشر من المحرم، يسند المهدي ظهره إلى الكعبة، ويطلب البيعة لنفسه، وينقل كامل سليمان رواية منسوبة إلى جعفر الصادق فيقول: “لن يرتاح لخروج المهدي من يخاف على نفسه من حد سيف الحق، فقد نعته الصادق بأنه ولي الدم، والترة لآبائه وأجداده المظلومين، وهو الذي يتولى الاقتصاص ممن ظلمهم”، ثم قال- أي الصادق-: “فلا يبقى أحد ممن قاتلنا فظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قتل في ذلك اليوم”، (يوم الخلاص / 321 وما بعدها).
ثم يعلن هذا المهدي المزعوم بدء حفلته الدموية بتحويل بلاد المسلمين إلى ساحات للقتل والإبادة، ويكون هذا الإعلان عبر الإذاعات والتلفاز، يقول كامل سليمان: “لا بد أنه طالع علينا في يوم من الأيام على شاشة أكبر تلفزيون في العالم يشرق وتشع طلعته كالشمس الطالعة، هذا إذا لم يكن لديه وسيلة غير عادية يشرق من حالق كما قلنا، وكأن الآفاق كلها شاشة تلفزيون” (يوم الخلاص / 316 )، ووفقاً لما ينسب لجعفر الصادق: “إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة، ويبعث القائم نقمة!!” (بحار الأنوار: 52/ 315 ).
القتل سيطال أهل مكة، ويبدأ- وفقاً للروايات- ببني شيبة من قريش فيستأصلهم بعد أن يأخذ مفتاح الكعبة منهم، ويقطع أيديهم، ويعلقها على باب الكعبة، ثم تحصل إبادة جماعية لقريش، حيث يؤتى بخمسمئة فيقتلهم صبراً بالسيف، ثم خمسمئة أخرى، وأخرى، وهكذا!!، ثم يكون غلُّهُ وحقده الأكبر على الفقهاء وأهل العلم خاصة، لأنهم الذين يفتون بكفره، ومروقه عن الدين، حيث يقول كامل سليمان: “أعداؤه مقلدة الفقهاء أهل الاجتهاد لما يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم”.
الروايات تستمر بالسيناريو بعد ذلك، فتتحدث عن هدم الكعبة والبيت الحرام، وسرقة الحجر الأسود ونقله إلى الكوفة التي سيتخذها عاصمةً له، ثم ينتقل إلى المدينة، وينبش الحجرة الشريفة ليخرج جسدَي أبي بكر وعمر، ويقطعهما ويحرقهما، ثم يهدم المسجد ويحدث مقتلة في أهل المدينة، ثم يذهب لتحرير بلاد الترك وكابل وغيرها…
هذا هو السيناريو المرعب على الاحتمال الأول إذن وفقاً لروايات ظهور المهدي، ولكن هل ثَمَّ احتمال ثان نستطيع أن نتحدث عنه، وهو أن تكون أجهزة المملكة الاستخبارية والأمنية قد تنبهت لهذا الخطر، ووأدت الفتنة في مهدها، وألقت القبض على هؤلاء المئات من أتباع الولي الفقيه، وهي تحقق معهم لتحصل على معلومات ثمينة منهم لقربهم من مراكز القوة والقرار الإيرانية؟ في الحقيقة هو احتمال وارد رغم المعلومات القليلة والمشوشة والمتضاربة أحياناً، التي ترد من داخل المملكة، ذلك أن أجهزة المملكة دخلت في أعلى درجات الحذر والترقب على خلفية الصراع الذي فرضته عليها إيران في المنطقة، وهي إن كانت لا تلتفت كثيراً للروايات التأريخية، فإنها بالتأكيد تراقب السلوكيات والتحركات والبيانات والتصريحات التي يصدرها خصومها كل يوم تقريباً.
فمثلاً، بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين كان المتحدث الرسمي الحوثي على قناة العالم الإيرانية يجزم بقوله: “موسم الحج القادم سنطوف بأسلحتنا في الحرم المكي”، وهذا الكلام تكرر من جهات عدة من أتباع الولي الفقيه، في العراق ولبنان وكذا من اليمن، ولكن الرسالة التي جاءت من “جماعة أنصار حزب الله” الإيرانية أواخر الشهر الثالث من هذا العام لها أهمية مختلفة، لكون الجماعة ترتبط بمكتب خامنئي بشكل مباشر، ولديها حضور ونشاط في أغلب المحافظات والمدن الإيرانية، وخصوصاً في مدن مشهد وطهران وقم والمدن المجاورة للعراق ودول الخليج العربي.
مع أن أغلب نشاطها في إيران يُعد نشاطاً دينياً وأمنياً حالياً، وتقوم بحملات تسميها “حملات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، فقد هاجمت الجماعة الإيرانية، المملكة العربية السعودية بشكل لافت للنظر، وتوعدت بـ “فتح مكة والمدينة” وتنصيب حكومة شيعية في الرياض، وأكدت أنها ستدخل مدينتي مكة والمدينة كـ”فاتحين” لإسقاط النظام الحاكم في المملكة، حسب تعبير البيان الذي هدد بأنه “سوف يلتحق شيعة المملكة العربية السعودية بشيعة اليمن لتشكيل قوة شيعية… وتوقع البيان بأن هذا الائتلاف الشيعي سوف يتشكل قريباً ويظهر بقوة في المنطقة”.
ووفقاً لمصادر مطلعة من الداخل الإيراني فإن جماعة أنصار الله الإيرانية عمدت إلى تجنيد المتطوعين الشيعة من إيران وأفغانستان وباكستان ودول أخرى، على غرار ما حدث في سوريا، لإرسالهم للقتال في اليمن والسعودية وبعض دول الخليج التي شاركت في عمليات عاصفة الحزم باليمن، كما أكدت المصادر أيضاً أن أنصار الله الإيرانية تحاول إرسال فرقها الذين جندتهم، عن طريق الزيارات السياحية لدول الخليج أو زيارات العمرة والحج، للقيام بأعمال تخريبية في السعودية ودول الخليج الداعمة والمشاركة في عاصفة الحزم.
اتصلت بالباحث الإيراني الدكتور عبد الله حسيني، باعتباره خبيراً يراقب الوضع من داخل إيران، فأوضح لي أن فكرة “المهدي المنتظر” تعتبر عقيدة محوريَّة تتمركز حولها مؤسسة ونظرية ولاية الفقيه، ولذلك أولوها اهتماماً كبيراً، وأقاموا مؤسسة باسم “إحياء المهدوية”، وجاؤوا بكل الروايات من كل ملة تؤمن بمُنجٍ في آخر الزمان، سنية وشيعية وأديان سماوية ووضعية، ثم بدؤوا بوضع مشروعهم، وادعوا أن المهدوية حركة عالمية، ولا بد أن تسيطر على العالم، وتتعرف على أعداء المهدي لتزيحهم عن الطريق، ليقوم إمام الزمان ويحكم العالم.
الحسيني قال أيضاً: “نحن في إيران نشاهد ونسمع هذا الكلام في المدارس والمنتديات والمؤتمرات، ولكن هذا الكلام لا يذكر إلا باللغة الفارسية، ولا ينشر خارج إيران، باتوا يتحدثون أمامنا علناً، ليس فقط مؤسسة بعينها بل الغالبية، أننا “لا بد أن نأخذ الكعبة”، وهم ينفقون لأجل ذلك كل ما عندهم من وقت وجهد ومال”.
وينصح حسيني، المملكة ودول الخليج أن لا تأمن المكر الإيراني، فحتى على فرض أن المملكة ألقت القبض على هذه الخلية النائمة ووأدت فتنتها في مشعر منى، فإن من المحتمل أن يكون أتباع الولي الفقيه قد وضعوا أكثر من خطة بديلة، وأدخلوا أكثر من خلية لتحقيق هذا السيناريو، وإلا فقد يصحون يوماً على الكعبة وقد تهدمت وسالت حولها الدماء وامتلأت ساحتها بالأشلاء.
قد يسألني سائل: وهل تبنى السيناريوهات على كل رطب ويابس من مرويات التأريخ، لتجهد نفسك بالبحث والتحليل في مقال طويل كهذا؟ وجوابي أنه لو كان الأمر يتعلق بأي منظومة غير منظومة الولي الفقيه، لما نبشت مزابل التأريخ، ماضيه وحاضره، ولكن ما حيلتنا مع مشروع يركب قادته موجة الدين، ويستغلون سقيم الروايات لتحقيق الأحلام التوسعية؟ مع أتباع أغمضوا عيونهم وأغلقوا عقولهم، وسلموا أمرهم بيد غيرهم؟ فبات هذا الغير يستخدمهم ولا يخدمهم، ويدفع بهم ولا يدافع عنهم، ويحتمي بهم ولا يحميهم، ويستغل أموالهم ولا يموِّلهم، ويقتلهم ولا يقاتل عنهم، لو كانوا يعقلون.
إنها صرخة نذيرٍ أُبرئ بها ذمتي أمام الله تعالى، وأرفع المسؤولية عن كاهلي إلى كاهل من يقدر على التعامل مع هذه المعلومة، ويمنع الكارثة التي ستترتب عليها في حال مضت في تحقيق أهدافها لا سمح الله، حفظ الله الكعبة والبيت والمملكة وكل ديار المسلمين.