نون والقلم

 طارق تهامي يكتب: طابا وحكايات لا تنسى

بمناسبة احتفالات عودة «طابا» العزيزة إلى حضن الوطن، تحضرني حكاية مهمة عن أحد أبطال الوفد المصري للدفاع عن حق مصر في الأرض الغالية.

أوائل أكتوبر 1988، كان مدرج السنة الأولى في كلية الحقوق بجامعة القاهرة مكتظًا على غير العادة، لا مكان لموضع قدم، رغم أنها المحاضرة الأولى التي تبدأ في التاسعة صباحًا.. الطلاب كانوا في انتظار محاضرة عادية في القانون الدولي للدكتور مفيد شهاب ضمن منهج السنة الأولى.

ولكن الغريب أن طلاب الليسانس أيضًا كانوا حاضرين!! كنت من بين الذين حرصوا على حضور المحاضرة الأولى للدكتور مفيد شهاب بعد غياب الأستاذ لمحاضرتين كاملتين في بداية العام الدراسي، وكان غيابه بسبب مشاركته في وفد الدفاع المصري لاستعادة مدينة «طابا» من إسرائيل عبر جلسات تحكيم دولية لإثبات مصرية طابا وسيادة مصر عليها.

وقد نجح فريق الدفاع المصري في استعادة «طابا» بعد جلسات ماراثونية استمرت لمدة عام وأربعة أشهر من المرافعات وتقديم المستندات الدالة على مصرية طابا، وخرج قرار المحكمة، يوم 29 سبتمبر 1988 معلنًا حق مصر في أرض طابا، واضطرت إسرائيل لتنفيذ الحكم وتسليم الأرض رسميًا حتى لا تتعرض لهجوم دولي إذا ما تم تصنيفها باعتبارها دولة خارجة عن إطار الشرعية الدولية، وتم رفع العلم المصري على طابا يوم 19 مارس 1989.

ظهر الدكتور مفيد شهاب في التاسعة تمامًا، وبمجرد أن أطل برأسه إلى داخل قاعة المحاضرات الكبيرة. استقبله الطلاب بعاصفة غير مسبوقة من التصفيق الممزوج بروح حماسية وطنية اعتدنا عليها داخل مدرجات كلية الحقوق، التي كنا نسميها مدرسة السياسة والقانون، فقد كان اهتمام طلابها بالسياسة لا يقل أبدًا عن اهتمامهم بالقانون.

وكانت جلسات التحكيم التي تتم تحت مظلة هيئة تحكيم دولية في جنيف، تحظى باهتمام شعبي مصري غير مسبوق، فقد لجأت الدولة حينها لأول مرة تقريبًا، وباهتمام شديد، إلى التحكيم الدولي بدلًا من الحرب والدمار، للحصول على حقوقها المشروعة، وكان نهجًا جديدًا سارت عليه الدولة فيما بعد في قضايا مختلفة، وهو ما جعل مصر تحظى بسمعة الدولة التي تسعى لحقوقها بكافة الوسائل القانونية، واستنزاف كل الوسائل السلمية للحصول على ممتلكاتها، وهو ما ساعد الاقتصاد المصري على الانتعاش والتحرك فيما بعد، وتمكنت الأنشطة السياحية بعدها من الحصول على دفعة قوية لسنوات طوال.

عندما نستعيد ذكرى معركة مصر القانونية السلمية لاستعادة طابا لا يمكن لأحد أن يغفل اسم رئيس فريق التحكيم القانوني في بداية المعركة، وممثل مصر القانوني في المحكمة، الدكتور وحيد رأفت، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، ونائب رئيس حزب الوفد في ذلك الوقت، والفقيه القانوني الكبير.

وبالمناسبة هو صاحب أول لائحة لحزب الوفد بعد عودة الحزب للحياة السياسية عام 1978. وهي اللائحة التي تمكنت من الحفاظ على بقاء الوفد لسنوات طوال في مواجهة عواصف عديدة. سواء في مواجهة الاختراق أو لمنع الانقسام.

اختيار وحيد رأفت الفقيه الكبير لقيادة فريق التحكيم القانوني المصري لم يأت من فراغ. فهو لمن لا يعرفه من قام بكتابة المذكرة الخاصة بالدفاع عن حق مصر في طابا. ولكن القدر لم يمهله لسماع الحكم النهائي الخاص بسيادة مصر على هذه القطعة من تراب مصر. لتبقى ذكراه غير مَنسية، ودلائل وطنيته غير مُنكرةِ، فهو القانوني الوفدي الوطني المقاتل بلا منازع.

ولا يمكن قطعًا أن نتجاهل أسماء كل من ساهموا في إعادة هذه المساحة الغالية التي عادت سلمًا لا حربًا. وطبقًا للوثائق المنشورة في اليوم السابع بتاريخ 24 أبريل 2019. صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 641 في 13 مايو 1985 بتشكيل اللجنة القومية لطابا برئاسة عصمت عبدالمجيد وعضوية 24 خبيرًا، منهم تسعة من خبراء القانون، واثنان من علماء الجغرافيا والتاريخ، وخمسة من كبار الدبلوماسيين بوزارة الخارجية، وثمانية من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية، وعهدت وزارة الخارجية المصرية بمهمة إعداد المذكرات إلى لجنة مشارطة التحكيم برئاسة نبيل العربي، ممثل الحكومة المصرية أمام هيئة التحكيم في جنيف وبعضوية كل من: (إبراهيم يسرى، بدر همام، حسن عيسى، أحمد أبوالخير، محمود عثمان، عز الدين عبدالمنعم، وجيه حنفي، أحمد فتح الله، محمد جمعة، حسين مبارك، محمود سامي، فايزة أبو النجا، أحمد ماهر، مهاب مقبل، ماجد عبدالفتاح) من وزارة الخارجية، و(عبدالحميد محسن حمدي، فاروق لبيب، خيرى الشماع)، من وزارة العدل (أمين المهدى، فتحي نجيب) من وزارة الدفاع، و(أحمد عبدالحليم، صلاح حافظ) من وزارة البترول. بالإضافة إلى وحيد رأفت، مفيد شهاب، يونان لبيب رزق، أحمد صادق القشيري. يوسف أبو الحجاج، سميح صادق، صلاح عامر، محمد الشناوي، جورج أبو صعب. طلعت الغنيمي، محمد بسيوني، حسين حسونة، محمد عبدالفتاح محسن. واستعانت لجنة الدفاع المصرية بالدكتور دريك باوت. في مقابل استعانة إسرائيل بالدكتور لوتر باخت وكلاهما أستاذ في القانون الدولي وذو خبرة دولية في هذا النوع من المنازعات.

وضمت هيئة التحكيم الدولية 5 أعضاء تمثلوا في كل من: الدكتور حامد سلطان عن الجانب المصري. وعن إسرائيل روث لابيدوت، والثلاثة الآخرون هم: بيليه رئيس محكمة النقض الفرنسية السابق. وشندلر أستاذ القانون الدولي بسويسرا، ولاجرجرين رئيس محكمة ستوكهولم. سلامًا إلى أرواح من رحل منكم، وتحية إلى الذين مازالوا على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم.

‏tarektohamy@alwafd.org

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدول

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى