عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة حياة كريمة – في عام 2019، اعتقدت أنها مجرد مبادرة إنسانية تهدف إلى تخفيف الأعباء ومساعدة بعض الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً في الريف المصري بالدلتا والصعيد.
ثم اكتشفت أن المبادرة تستهدف التطوير الشامل للريف المصري بشكل عام الذي يضم أكثر من نصف تعداد سكان مصر، ويعاني من ضعف الخدمات وأحياناً من انعدامها في قطاعات يحتاجها الإنسان بصورة يومية مثل مياه الشرب النقية، وخدمات الصرف الصحي، إضافة إلى قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم والطرق ومراكز الخدمة الحكومية التي تنحصر في عواصم المحافظات وبعض المدن الكبرى، وغيرها من المشكلات التي عانى منها الريف وكانت سبباً في هجرة أبنائه إلى القاهرة والمدن الكبرى. وأيضاً سبباً في انتشار وتفشى الأمراض والأوبئة والفيروسات، وكان أخطرها فيروس «سي» جراء تلوث المياه وانعدام الصرف الصحي، وجميعها مشكلات متراكمة منذ سنوات وعقود أدت إلى تراجع الريف على كل المستويات وحولته من بيئة خصبة ومنتجة إلى بيئة ملوثة وطاردة، لتأتى هذه المبادرة لإعلان إحياء الريف المصري من جديد.
الحقيقة أنني أتابع أخبار المبادرة من حين لآخر من خلال وسائل الإعلام. والجهود التي تبذلها الحكومة، وحجم التمويل الهائل الذي يضخ في المشروعات الجارية للمرحلة الأولي. ولكنني قبل يومين عايشت على أرض الواقع ما تقدمه هذه المبادرة لأبناء الريف. وما يمكن أن تحققه من نهضة تنموية وحضارية لمصر كلها.
وكان الزميل والصديق المهندس حازم الجندي عضو مجلس الشيوخ قد وجه دعوة لي لحضور تدشين مساهمته في هذه المبادرة بمشروع – مشغلي- لمساعدة السيدات في قرى زفتي بالغربية للمساهمة في تحسين دخولهن ومساعدة أسرهن من خلال إنتاج الملابس والمفارش وغيرها من مشغولات الأقمشة التي تمثل المشروعات متناهية الصغر.
وأثناء تدشين هذه المبادرة في قرية نهطاي بحضور الدكتور عبد السند يمامة رئيس الوفد والدكتور طارق رحمي محافظ الغربية. بدت السعادة تغمر عشرات السيدات، وهن يقبلن على أول يوم عمل في هذه المشاغل التي وفرتها محافظة الغربية. وتحدثت أكثر من سيدة معيلة عن ظروفهن السابقة والمشكلات اللاتي عانين منها وطموحهن للمستقبل.. بينما ذهب فكري بجانب آخر وتخيلت حال مصر والنقلة التنموية التي يمكن أن تحدث إذا تم استغلال كل هذه الطاقات المعطلة في شتى أرجاء الريف المصري. في مثل هذه المشروعات وغيرها من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. سواء من خلال مبادرات رجال الأعمال أو منظمات المجتمع المدني. أو حتى من خلال البنوك وجهات التمويل الحكومية سواء في شكل شراكات أو قروض بدون فوائد لإنشاء المئات والآلاف من هذه المشروعات متناهية الصغر مثل مشغلي ومزرعتي ومصنعي وورشتي ليعود الريف من جديد إلى سابق عهده في الإنتاج عندما كان مكتفياً غذائياً ويسوق باقي إنتاجه من اللحوم والطيور والألبان والخضروات والفواكه إلى المدن، وجميعها مشروعات تحتاج إلى الأيدي العاملة المعطلة في الريف سواء للسيدات أو الشباب.
اللافت للنظر أن هذه المبادرة تجعل من القرية مجتمعاً متكاملاً سواء في بنيته الأساسية. من حيث الطرق ومشروعات المياه والصرف الصحي والوحدات الصحية والمدارس المتطورة ومراكز الشباب وغيرها من المرافق. أو من حيث الخدمات الحكومية مثل مكاتب السجل المدني والتموين والإرشاد الزراعي والبريد والحكم المحلي وغيرها من الخدمات. في مكان موحد يسمى مجمع الخدمات الحكومية الذي تفقدناه برفقة الدكتور طارق رحمي محافظ الغربية. والذي بدا منذ الوهلة الأولى أنه متابع بشكل يومي لكل المشروعات مع ممثل المبادرة.
وفي اعتقادي أن هذه المبادرة لا تقف ثمارها عند تشغيل عشرات الآلاف من أبناء الريف، ولا مجرد تقديم الخدمات للريف وتحقيق معايير العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان لأبناء الريف، وإنما هي صورة واقعية للنهضة الشاملة التي تتحقق على أرض مصر لأول مرة منذ عصر محمد على مؤسس مصر الحديثة، وهي أيضاً صورة واقعية لـ الجمهورية الجديدة التي لا ينقصها إلا الوعي بقيمة ما يقدم لاستثماره والحفاظ عليه.
حمى الله مصر
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدول