يا عزيز عيني أنا بدي أروح بلدي.. بلدي يا بلدي والسخرة خدت ولدي.. أو السلطة خدت ولدي، كانت هذه أحد الأهازيج الشعبية والتي صاغها فيما بعد يونس القاضي ولحنها سيد درويش، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
كانت السلطات تقبض على الفلاحين البسطاء من الشباب وتشحنهم للتجنيد الإجباري لخدمة الجيش الإنجليزي وقوات الحلفاء. والتي كانت تضم في معسكرها فرنسا وروسيا وانضمت إليها إيطاليا في مواجهة ألمانيا والدولة العثمانية.
فقامت دولة الاحتلال بالقبض على الشباب وتسخيرهم للأعمال اللوجستية وقد قدرت هذه الأعداد في احصائية متواضعة بعشرات الآلاف. وفي فيلم وثائقي صامت عن هذه الحقبة شاهدته مؤخرا قيل إنهم نصف مليون.
والطامة الكبرى أن معظمهم لم يعد بعد انقضاء الحرب فكان النداء لعزيز مصر وهو الفريق عزيز المصري والذي كان وزيرا للدفاع إبان الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين في أرض الحجاز ثم اختلف معه وعاد إلى مصر وقد انضم فيما بعد إلى عمر المختار في كفاح الشعب الليبي ضد المحتل الإيطالي. حيث كان قائدا عروبيا.
فخرجت من أفواه الجماهير يا عزيز عيني أنا بدي أروح بلدي.. فيرد عليهم جموع في المقابل بلدي يا بلدي والسخرة خدت ولدي.. حدث هذا في وقت كان فيه تعداد الشعب المصري 12 مليون نسمة.
ودارت الأيام ولم يعد الشباب وربما كانت أرواحهم هي وقود ثورة 1919 وليس فقط نفي سعد زغلول وكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير. فانطلاق المظاهرات كان تجسيدا لصوت الحرية ضد الكبت وغياب فلذات أكبادهم.
هكذا كان الشعب المصري دائما يعبر عن نفسه في نشيد، أو أغنية أو أحيانا في نكتة رغم أنها تثير الضحك. ولكن الضحك الممزوج بالألم.
هذه هي عبقرية الشعب المصري الذي ظل هكذا يضغط حتى نال استقلاله في 1922 أي بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى. بقرابة أربع سنوات ليكتب أول دستور للدولة المصرية 1923.
ولعلنا هذه الأيام نحتفل بمئوية الاستقلال، صحيح أن الاحتلال الإنجليزي لم يرحل بشكل كامل. ولكن على الأقل كان هناك انتخابات لمجلس النواب وتشكيل وزارة مصرية خالصة من الحزب الفائز وإعطاء مساحة من الحكم للملك إلى أن استطاعت مصر التخلص من أواخر القواعد الإنجليزية في 1956 بعد ثورة يوليو 1952 وتبعتها صفعة تأميم القناة في نفس العام. حتى نقطع دابر الوجود العسكري والمدني أيضا والخلاص النهائي من التبعية الإنجليزية. مما ترتب عليه العدوان الثلاثي 1956 باشتراك فرنسا وإسرائيل مع إنجلترا لمحاولة العودة مرة أخرى للاستيلاء على مدن القناة وإدارة قناة السويس.
ولكن من حسن حظنا أن هذا لم يكن بموافقة أي من القطبين لا الاتحاد السوفيتي ولا والولايات المتحدة. وعادوا من حيث أتوا وانتصرت إرادة شعب مصر الذي ضرب أروع الأمثلة في الاستبسال للدفاع عن الأرض والعرض في مدن القناة. وخاصة في بورسعيد والتي كانت الهدف الأول للعدوان الغاشم.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها الشعب عن نفسه بأطروحة أو أغنية. فلابد أن نتذكر «قولوا لعين الشمس ما تحماشي لحسن غزال البر صابح ماشي» والتي غيرها بعد ذلك الشاعر مجدي نجيب فيما بعد «لحسن حبيب القلب صابح ماشي» لتغنيها شادية.. حيث رددها الشعب عشية إعدام الشاب إبراهيم الورداني والذي اغتال بطرس غالي 1910 والذي كان رئيس محكمة دنشواي قبل أن يصبح رئيس وزراء مصر والتي حكمت على أربعة من الفلاحين بالإعدام إثر مقتل جندي إنجليزي بضربة شمس.
فخرجت الجماهير ليلتها لتنشد هذه الكلمات حيث المحكمة والمقصلة كانا في الهواء تحت الشمس كنوع من الردع والتخويف وإثارة الرعب.. وهكذا دائما يردد العامة أن هذا الشعب مالوش كتالوج.. هو فعلا كذلك وفسرها كيفما تشاء.. ولكن لاشك أنه دائما يدافع عن كرامته ويتخندق ضد أعدائه في وقت الخطر ليصبح رجلا واحدا. ودعونا نحتفل معا بمرور قرن على استقلال المحروسة ويا رب دايما تفضل محروس..
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدول