وضع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في موقف مزعج. بسبب نقص الأسلحة والذخائر والخسائر البشرية الفادحة وتدمير البنية التحتية العسكرية الحيوية بدأ الزعيم الأوكراني بنشاط في السعي للحصول على أي نوع من المساعدة من الخارج. يتضح هذا من خلال نداءاته العديدة إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والمجتمع الدولي بشأن إمدادات الذخيرة، علاوة على قراره بإنشاء نظام بدون تأشيرة لأي شخص يرغب في القتال جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة الأوكرانية وعناصر الكتائب اليمينية المتطرفة.
أوكرانيا – ليبيا الجديدة
إن تصميم زيلينسكي على فتح حدود بلاده للمرتزقة الأجانب يمكن أن يجعل أوكرانيا ملاذًا آمنًا جديدًا للمقاتلين من أي نوع: بدءًا من القوميين الأوروبيين وجنود الثروة في أمريكا اللاتينية إلى المتطرفين من الشرق الأوسط. وشهدنا مؤخرًا وضعا مماثلا في ليبيا، حيث استخدم كل طرف من أطراف النزاع مقاتلين أجانب في المواجهة الداخلية. شارك أكثر من 30000 مرتزق من سوريا وتشاد وغيرها في الأعمال القتالية ولا يزالون موجودين في دولة غنية بالنفط حتى يومنا هذا على الرغم من الاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن انسحابهم.
أرست تحركات كييف أساسًا قويًا لتكرار مصير ليبيا. لقد شكل زيلينسكي بالفعل ما يسمى بـ«الفيلق الدولي» وهو بمثابة بؤرة للمقاتلين من جميع أنحاء العالم. وفقًا للبيان الصادر عن اللواء للمديرية الرئيسية للاستخبارات في وزارة الدفاع الأوكرانية، كيريل بودانوف، فإن أكثر من 20000 مرتزق أبدوا استعدادهم للمشاركة في الحرب إلى جانب كييف منذ الأول من مارس / آذار. علاوة على ذلك، يبذل حرس حدود الأوكراني كل ما في وسعها ليسهل دخول مرتزق البلاد. على وجه الخصوص، أبدى ما لا يقل عن 50 مواطنًا من جورجيا وبيلاروسيا وكندا وبريطانيا وهولندا وكرواتيا وإسبانيا وكولومبيا والبرازيل والدنمارك وبولندا والولايات المتحدة الأمريكية اهتمامًا بالانضمام إلى المعركة ضد القوات المسلحة الروسية وعبروا في 4 مارس/أذار الحدود الأوكرانية من بولندا عبر نقطتي تفتيش «شيهيني» و«كراكوفيتس».
العامل الأمريكي
على الرغم من الرفض الرسمي للولايات المتحدة للتدخل في الصراع الأوكراني، إلا أنه من وجهة نظرها من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة بين الناتو وروسيا، تواصل واشنطن تقديم المساعدات العسكرية والمادية إلى كييف. إلى جانب تزويد الطرف الأوكراني بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها، هناك احتمال كبير بأن البيت الأبيض سوف ينحني أو على الأقل لن يقاوم نقل الجماعات المسلحة الموالية لها من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا. تستغل واشنطن هذا الخيار لسنوات عديدة في سوريا. ومن المعروف على نطاق واسع أن تشكيل «مغاوير الثورة» يعمل لصالح أمريكا من خلال حراسة منطقة 55 كيلومترًا وداخل القاعدة الجوية الأمريكية «التنف».
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الولايات المتحدة إمكانية الحصول على الموارد البشرية من السجون التي تسيطر عليها القوات الكردية في سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن تجنيد المقاتلين، بمن فيهم عناصر سابقون في تنظيم الدولة الإسلامية. قد جرى في الماضي ويؤكده عدد من التقريرات الصحفية: من شهود العيان إلى الإرهابيين الأسرى أنفسهم. بناءً على المعلومات الواردة من المصادر المحلية، تم مؤخرًا اختيار أكثر من 900 مقاتل داعش من مخيم «خان الجبل» لاستكمال العمليات في خارج سوريا. وأكد المصدر أن معظم الإرهابيين شيشانيين وأوزبكيين وتركمان. تم نشر في الثالث من مارس/أذار صور لقافلة أمريكية كبيرة (حوالي 200 سيارة حاملة) كانت متجهة نحو حاجز «الوليد». وذكر المخبر على الحدود العراقية أنه بعد الحاجز تحركت القافلة باتجاه قاعدة أربيل الجوية. من المحتمل تمامًا أن يصل سجناء سابقون إلى أوكرانيا قريبًا تحت ستار مرتزقة بسطاء. وسينضمون إلى الفيلق الدولي في مواجهة مع روسيا.
والجدير بالذكر أن الرئيس زيلينسكي نفسه قد أمر بإطلاق سراح السجناء. حتى يتمكنوا من معالجة اخطائهم خلال العمليات العسكرية.
الجانب الجيوسياسي
يتضح للعالم العربي ما يحدث في الواقع في الصراع الأوكراني ومن يقف وراءه. يمكننا أن نرى نفس المخطط على أساس تدمير الوحدة داخل منطقة الشرق الأوسط من قبل الولايات المتحدة من خلال دعم واسع للتشكيلات الراديكالية وحركات احتجاجية في سعيها لنشر الديمقراطية. لكننا رأينا نتائج ذلك في العراق وليبيا وسوريا واليمن. لا توجد سلطة حكومية على الإطلاق في بعض البلدان هذه التي كانت المزدهرة سابقاُ. ولا تزال تغرق في أزمة إنسانية حتى يومنا هذا. في ظل الحرب والاضطرابات الاقتصادية، أصبح العراق وسوريا مكانًا آمنًا للإرهابيين من جميع أنحاء العالم. وشهدت هذه الدول خصوصيات وعمق عداء المتطرفين. بعد مرور عقد على انتهاء الربيع العربي. بدأت جروح البلدان في الالتئام ولكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه حتى الشفاء التام.
تطبق الولايات المتحدة الأمريكية بإصرار استراتيجيتها القديمة «فرق وتسد» في المواجهة ضد روسيا – خليفة الاتحاد السوفيتي. صنعت واشنطن أعداء للدول الشقيقة مثل روسيا وأوكرانيا، بينما كانت تعلم ما هي العواقب التي قد تترتب على ذلك. إن الحرب التي تخلف وراءها دماراً وخسائر بشرية هي مأساة بلا قيد أو شرط. ومع ذلك، فإن الصراع في أوكرانيا هو نتيجة منطقية لسياسات الغرب طويلة الأمد التي تهدف إلى كبح جماح روسيا.