نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: ثورة 19 ومواجهة الاستعمار

اليوم الذكرى الثالثة فوق المائة لثورة 1919 التي أعادت للشعب المصري الروح والعزيمة والسيادة، وغيرت مجرى الحياة في مصر سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وامتد تأثيرها إلى المحيط الإقليمي والدولي لمواجهة الاستعمار.

تاريخ ثورة 19 وأحداثها التي بدأت في 9 مارس 1919 مع نفي الزعيم سعد زغلول إلى جزيرة مالطة لمطالبته باستقلال مصر وجلاء القوات البريطانية، تعرفه الأجيال المتعاقبة من الشعب المصري، باعتبارها إحدى أهم الثورات التي عرفها العالم، وسميت في معظم دول الشرق بالثورة الكبرى.

وعرفت في دول الغرب باسم ثورة الشرق، وبرغم أنها استمرت ثلاث سنوات في كل ربوع مصر، إلا أن آثارها على مصر ممتدة حتى الآن بعد أن أسست لأول مرة للدولة الوطنية المدنية على أرض مصر ورسخت لقيم ومبادئ باتت جزءًا أصيلاً من ثقافة وهوية الشعب المصري يصعب تغييرها أو المساس بها، وكلنا يعلم أن مصر كانت قبل هذه الثورة دولة تابعة للخلافة العثمانية، وأيضًا ترزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني منذ عام 1882، وبقيام ثورة 19 تخلصت مصر من الحماية البريطانية والتبعية العثمانية في 28 فبراير عام 1922، وأصبح السلطان فؤاد الأول ملكًا على مصر والسودان، وأصبحت مصر دولة مستقلة لها دستور وبرلمان وتمثيل دبلوماسي مع دول العالم.

عظمة هذه الثورة أنها رسخت منذ انطلاقها لأسس وقيم الدولة الوطنية المدنية عندما أشرك سعد زغلول عددا من قادة الأقباط في المفاوضات، وبعد نفي سعد زغلول ورفاقه خرجت المظاهرات بشعارات الدين لله والوطن للجميع، وعاش الهلال مع الصليب، وألقى القساوسة خطاباتهم من على منابر المساجد وخطب الشيوخ والعلماء في الكنائس.

في إعلان واضح على ترسيخ دولة المواطنة، كما خرجت المرأة المصرية للمشاركة في الثورة، وقادت صفية زغلول وهدى شعراوي المظاهرات انطلاقًا من بيت الأمة في وسط القاهرة، وكانت الثورة سببًا في تحرير المرأة المصرية وحصولها على حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية تأكيدًا على مدنية الدولة.

ولم يغب عن قائد الثورة أهمية الاقتصاد في حياة الأمة، وأطلق نداءه الشهير إلى جموع المصريين عام 1920، وطالبهم بسحب أموالهم من البنوك الانجليزية، وشراء صكوك بنك مصر برئاسة طلعت باشا حرب ليتحول البنك إلى قاعدة اقتصادية ساهمت في إنشاء وبناء الاقتصاد المصري في شتى المجالات، مما جعل مصر في أربعينيات القرن الماضي تحتل صدارة العالم في احتياطي الذهب.

تأكيدًا على ترسيخ هوية الدولة الوطنية المدنية جاء دستور 1923 محددًا بشكل قاطع هذا الأمر من خلال حرية العبادة وحرية تكون الأحزاب السياسية وحرية الصحافة وغيرها من الحريات العامة، كما رسخ لحقوق المرأة وحقوق العمال.. ومع أول انتخابات تشريعية حقيقية عرفتها مصر، التف المصريون حول الوفد وزعيمه سعد زغلول وفاز الوفد بأكثر من 90٪ من مقاعد البرلمان وشكل سعد زغلول أول حكومة مصر والتي عرفت باسم حكومة الشعب.

وبعد رحيل الزعيم عام 27 تولى مصطفى النحاس باشا المسئولية وسار على دربه في ترسيخ قيم الدولة الوطنية المدنية، ولم يكن استدعاؤه لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وتحذيره من العمل السياسي، وخلط الدين بالسياسة إلا تأكيدًا على هذا المعنى..

والمؤكد أن هذه القيم التي شكلت هوية الشعب المصري هي أكبر ضامن لحماية الدولة المصرية، ولم تكن ثورة الثلاثين من يونيو إلا تأكيدًا على تمسكهم بهويتهم في مواجهة الجماعة الفاشية التي حاولت اختطاف هذا الوطن، ولم يكن انحياز المؤسسة العسكرية الوطنية لإرادة الشعب المصري إلا تأكيدًا على القيم الراسخة لجيش الشعب الذي يحمي مقدرات هذه الأمة في الداخل والخارج، لتعود مصر أكثر قوة وتسارع الخطى لتحقيق أعلى معدلات نمو واللحاق بركب الحداثة والتطور.

حمى الله مصر

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى