نون والقلم

د. وليد عتلم يكتب: التداعيات الاقتصادية لأزمة روسيا وأوكرانيا

بدأت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا فجر الخميس، وبدأت معها التداعيات الاقتصادية المباشرة، برميل النفط في رد فعلي فوري وسريع تجاوز حاجز الـــ 100 دولار لأول مرة منذ عام 2014، وبالقطع ستتبعه تداعيات أخرى تشمل؛ النفط والغاز الطبيعي، الحبوب والقمح، السندات الدولارية والعملات، وكذلك قطاع السياحة، فضلا عن المعادن الرئيسة المستخدمة في كل شيء تقريبا، من صناعة السيارات والإلكترونيات إلى أدوات المطبخ ومواد البناء.

الأربعاء السابق للعمليات العسكرية الروسية شهد اجتماعاً للحكومة المصرية برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء. الذي أشار إلى أن الحكومة المصرية تتابع عن كثب تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية. ونطاق تداعياتها على الصعيد العالمي، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية.

الدكتور مصطفى مدبولي أكد «أن مثل هذه الأحداث يكون لها تأثير واضح على أسعار عدد من السلع الأساسية على مستوى العالم. وفي هذا السياق، فإننا منذ بدء الأزمة عكفنا على دراسة مدى تأثيرها المحتمل على عدد من السلع، وعلى رأسها القمح». وهو ما يعني أن الحكومة منتبهة لما يمكن أن يمثل أثراً مباشراً من تلك الأزمة على الاقتصاد المصري، خاصة وأن واردات مصر الرئيسية من القمح والحبوب هي من روسيا وأوكرانيا؛ حيث تعد مصر – أكبر مستورد للقمح في العالم – أحد أكبر مشتري القمح من روسيا وأوكرانيا، ومثلت واردات القمح الروسي قرابة الـ 50% من إجمالي واردات مصر من القمح العام الماضي، فيما مثل القمح الأوكراني 30% من إجمالي الواردات، إذ حصلت مصر على نحو 3 ملايين طن من أوكرانيا، من إجمالي استهلاكها من القمح من أوكرانيا في العام الماضي.

وفي ضوء الأحداث الأخيرة؛ ومع التأثيرات اللوجستية والتي تشمل ارتفاع أسعار النقل والشحن. لاسيما مع تجاوز أسعار النفط مستوى 100 دولار. فضلا عن ارتفاع تكلفة المخاطر في المنطقة. فإن تكلفة استيراد القمح في مصر قد ترتفع من 3.2 مليار دولار إلى 4 مليارات دولار أي بزيادة 800 مليون دولار.

لذلك كان التحسب كبيراً والاستعداد جيداً حتى ما قبل اشتعال الأزمة. حيث سعت الدولة لبناء 60 صومعة قمح بالشراكة مع القطاع الخاص. تبلغ سعة الواحدة منها 60 ألف طناً بتكلفة بين 250 و300 مليون جنيها للواحدة، جاءت الخطوة في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية الاستراتيجية على مستوى العالم، وعلى رأسها القمح والسكر، بسبب سرطان التضخم الذي ينهش العالم؛ إذ وصلت أسعار الغذاء لأعلى مستوى منذ 60 عاماً في أواخر 2021، وفقا لمنظمة الفاو، كما أن وزارة التموين والتجارة الداخلية رفعت السعة التخزينية للصوامع من 1.4 مليون طن قمح خلال 2014 إلى 3.4 مليون طن حالياً، الأحداث الحالية تؤكد على أنه كان قراراً صائباً قائم على رؤية وتوقع وتحسب للمستقبل.

منذ أيام قليلة ثار الجدل في مصر حول بعض القرارات الصادرة من البنك المركزي، ذات الصلة بتنظيم عمليات الاستيراد من الخارج، رغم أن القرار في مضمونه هو أحد الآليات الجديدة التي تهدف للحفاظ على الموارد المالية للدولة، وهو إجراء تنظيمي مصرفي صدر اتساقاً مع قرارات مجلس الوزراء الأخيرة بشأن حوكمة الإجراءات الاستيرادية واستكمالا لمنظومة التسجيل المسبق للشحنات الذي تسعى الدولة من خلاله للارتقاء بمستوى البضائع الواردة من الخارج، والقضاء على هوامش الربح المبالغ فيها، والحفاظ على قيمة الجنيه المصري، وحماية صحة وأموال المواطنين، وكذلك حوكمة منظومة التجارة الخارجية، وحماية الصناعة الوطنية، وأخيراً الحفاظ على موارد الدولة السيادية.

يتضح الآن في ظل التداعيات الاقتصادية المحتملة والمباشرة للحرب الروسية، مدى أهمية القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية والقيادة السياسية لإعادة تنظيم الاقتصاد القومي ليصبح أكثر مرونة لاستيعاب الصدمات المباشرة عالمياً منذ بدء جائحة فيروس كورونا، وكذلك التوسع في المبادرات المجتمعية بهدف توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لخفض معدلات الفقر بمــا يضمــن الحيــاة الكريمـة لجميـع المواطنيـن، فالعالم الآن قرية كونية صغيرة بالمعنى الحرفي ولا أحد بعيد عن نطاق دائرة التأثير والتأثر.

لذلك يجب عدم الاستهانة بتداعيات الأزمة الأوكرانية وتكاليف السلام غير المستقر على الاقتصاد العالمي. خاصة وأن الاقتصاد العالمي لايزال في حالة من عدم الاستقرار وغياب اليقين نتيجة التأثيرات المختلفة لجائحة كورونا.

الأمر الأكثر أهمية؛ هو ضرورة الثقة في الحكومة المصرية والقيادة السياسية. وأن نقدم الدعم الكامل كمواطنين لكافة توجهات الدولة. خاصة إذا ما كان هناك اضطرار لاتخاذ بعض القرارات الاقتصادية الصعبة. في ظل الأوضاع العالمية الاستثنائية، حيث العالم الآن في مرحلة أخطر وأعقد من مرحلة الحرب الباردة.

كذلك يجب أن نكون على يقين تام من أن الدولة المصرية تعمل فقط لصالح مصر. تنحاز فقط للمواطن المصري أولاً وأخيراً دون مواءمات أو تمييز. وتجربة التعاطي مع تداعيات الجائحة مدى قدرة الدولة المصرية على التعامل الكفء والإدارة الرشيدة. مع مثل تلك الأحداث خير شاهد ودليل، حفظ الله الوطن، وتحيا مصر.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى