النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا سكوت بيري أخرج وزير الخارجية جون كيري عن طوره، وتطاير الشرر من عينيه وهو يجيب النائب بصلف: “أنا هنا لا أتعلم دروساً منك في كيفية خدمة أميركا”، لقد استثاره النائب عندما المح بأن كيري يخدم إيران أكثر مما يخدم أميركا. عبارة لامست الجرح، وعززت الاتهامات السابقة بأن كيري كان أثناء المفاوضات يمثل إيران أكثر منه وزير خارجية أميركا. الروس والصينيون أوقعا بالأميركيين في المفاوضات بصفتيهما الأقرب من إيران جغرافياً وبذلك ستكون المكافأة لهما اقتصادياً، ومن وجهة نظر إيران فهما يستحقان الأفضلية فقد وقفا إلى جانبها طيلة 36 عاما.
جون كيري في المنطقة مدافعاً عن الاتفاق النووي مع إيران، بدأ بمصر، ثم بعدها قطر حيث يجتمع بوزراء خارجية دول مجلس التعاون، وكذلك لقاء ثلاثي يجمعه بالوزيرين عادل الجبير والروسي لافروف، لقاء تفوح غرابته، من حيث توليفته، ومكان انعقاده.
الإدارة الأميركية التي ترمي بكامل ثقلها خلف الاتفاق داخليا وخارجيا، مرة تشير إلى أن اتفاقا سيئا خير من عدم وجوده، وأخرى تقول بأن إيران لن تتراجع عن سياساتها الاستفزازية، ويؤكد المفاوض الأميركي أنها لن توقف دعمها لحزب الله في لبنان، ولا عن تنظيماتها الإرهابية في العراق التي تحارب داعش الآن تحت لواء أميركا.
مجلة التايم نشرت مؤخرا تقريرا بعنوان “يجب على الكونجرس الأميركي أن يرفض الاتفاق مع إيران”، وتنقل المجلة عن السيناتور توم كوتن، والنائب رون ديسانتس أن “الرئيس اوباما وعد بأن التوصل الى اتفاق مع ايران سيجعل عالمنا أكثر أمانا، ولكن من الصعب التصديق بأن إعطاء أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم المزيد من المال سيسهم بأي حال في سلامتنا” واستحضرا العبوات الناسفة التي قدمتها ايران لتنظيم القدس المنبثق عن الحرس الثوري الايراني وقائده قاسم سليماني والتي قتلت أكثر من 1500 أميركي في العراق ما تزال دماؤهم لم تجف بعد. ويرى عضوا الكونجرس بأن الادعاء أن عدم توقيع الاتفاقية سيؤدي إلى حرب هو غير حقيقي، وإنما عدم توقيع الاتفاق سوف يعيد التفاوض للخروج باتفاق أفضل من هذا، معتبرين أن النقاشات التي يجريها الكونجرس هي الأهم في تاريخه، وان الموافقة ستكون لها عواقب دائمة.
المؤشرات جميعها تؤكد أن الكونجرس سيوافق على القرار، إلا إذا استخدم “كهول” المجلسين الحيلة كمواصلة النقاش أياما متواصلة والتصويت بمن حضر من أجل ضمان الثلثين. والناظر لخريطة الكونجرس الأميركي يجد صعوبة في احراز الثلثين في الظروف الطبيعية؛ ولتحقيق ذلك فلا بد من أن يصوت جميع الجمهوريين في مجلس النواب ضد القرار، ومعهم 43 نائبا من الديمقراطيين، وأن يصوت كل الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ومعهم 13 شيخا من الديمقراطيين، وهذا يبدو في للوهلة الأولى متعذر. وهو ما يفسر ترك جون كيري العاصمة والتوجه للشرق الأوسط لتسويق الاتفاق النووي.
لو كنت داخل غرفة الاجتماع مع كيري لقلت له شكر الله سعيكم، وما قصرت وتشرفنا بمعرفتكم، أما وقد زكيتم إيران بهذا الحماس فإنكم ربما تعلمون ما لا نعلم من حبها للسلام، ورفضها للإرهاب، وعدم رغبتها في الهيمنة، ولذلك فإننا جميعا وبربطة معلم (تحتاج إلى مترجم جيد يوصلها للسيد كيري) سوف نتوجه لطهران فهي أقرب لنا جغرافياً من واشنطن، وسنقول للإيرانيين علمنا وسلامتكم (وهذه بعد تحتاج مترجما متمرسا)، فقد زكاكم صديقنا الاستراتيجي، ونحن وثقنا به عقودا من الزمن، ومشينا وراءه كل الطرقات، ولذلك جئنا لنقول لكم إما أن نبدأ صفحة جديدة على أساس التعايش المشترك في هذه المنطقة، واحترام بعضنا بعضا وإما أن نفنى جميعا بالحروب، إذ لايمكن بحال من الأحوال أن ينتصر طرف على الآخر ويستقر له الوضع.
هذا الرأي الذي أقدمه بالمجان للطرفين سيكون أقوى “رفسة” في وجه أميركا ودول 5+1، ولتدخل شركاتنا لتأخذ نصيباً من المئة وخمسين مليار دولار، وتفتح إيران للسياحة بعد أن ضاقت الأرض بما رحبت بهجراتنا الموسمية، ونتأمل خيرا في أن تجمعنا شهادة ألا إله ألا الله وأن محمدا رسول الله. وصدقوني فإن السواد الأعظم من الإيرانيين ليسوا مع النظام إلا مكرهين.
أميركا حزمت أمرها ورأت أنها توصلت إلى اتفاق تاريخي مع إيران، ونحن يمكن لنا أن نتوصل إلى اتفاق تاريخي مع إيران، وإذا كانت أميركا لم تثق بإيران رغم توقيع الاتفاق وتتوعدنا بالمزيد من صفقات السلاح والحماية، فإننا أيضا سنلتزم الحذر من إيران، ولذلك فالمكاسب والحال هذه أكثر من الخسائر. إيران سوف تتغير لامحالة، وتدفق النور إلى قلبها المعتم سوف يجعل شبابها يتطلعون لغد أفضل، وعندها يكون الرهان على الشعب الإيراني وليس النظام، ولتذهب الإدارة الأميركية إلى الجحيم، فقد قلبنا حينئذ الطاولة عليها.
هل يمكن أن يكون لهذه الهلوسة نصيب من الواقعية؟
سأجيب بلا ونعم، فأما لا، فلأن النظام الإيراني لايريد السقوط بهذه السرعة ذلك أن عداءه للعرب مبدئي، والطائفية هي النفس الذي يتردد في صدره، كما أن دول مجلس التعاون ليست موحدة في قرارها الخارجي. وأما نعم فذلك أنه لاشيء من حولنا يحكمه منطق هذه الأيام.
لنكن من الشجاعة بأن نتخذ قرارات مصيرية، وأكاد أجزم أن قرار دول مجلس التعاون بالتفاهم مع إيران سيكون تاريخيا أيضا، وسوف تلعن الإدارة الأميركية اليوم الذي رمت بكل أثقالها خلف هذا الاتفاق. وأستدرك هنا بأنني ما زلت أعتقد أن إيران وراء كل مصيبة حدثت في منطقتنا منذ عام 1979م، وأنها لن تكون سعيدة بموقف خليجي موحد فهو لايخدمها على الإطلاق.
نقلا عن صحيفة الرياض
لمراسلة الكاتب: aaltayer@alriyadh.net