حُزْنَا فُطْرِ الْقَلُوبِ وَأَحْيَاهَا.. هذه الكلمات رثاء لكل روحا بريئة، اختصها الله، فاختارها إلى جانبه، وصعدت إلى بارئها في رحاب السماء.
و«ريان» هو المرتوي بعد عطش، الذي شرب حتى ارتوى، الأخضر الناعم من أغصان الشجر، لا أعلم لماذا ألح على خاطري وأنا أتابع عمليات الإنقاذ للطفل المغربي كتاب للراحل الدكتور مصطفى محمود تحت عنوان «رأيت الله»، والذي تناول فيه رحلة لأحد أئمة الصوفية وهو محمد بن عبد الجبار النفري، وتوقفت تحديداً عند أحد مقطتفات الكتاب المتعلقة بالذات الإلهية، وهي: «أَنَا يَسْتَدِلُّ بِي.. وَلَا يَسْتَدِلُّ عَلِيُّ».
مأساة «ريان» جسدت المشيئة الإلهية؛ تلك المأساة التي تأرجحنا فيها بين اليأس والأمل، الفرح، والحزن. تلك الرسالة التي أرسلها الله على هيئة ملاك صغير، في جُبُّ عَمِيقُ لتعيد إيقاظ ما بقي من إنسانيتنا.
ماذا فعلت بنا يا «ريان»؟!!.. ما كل هذا الشجن الذي فجرته؟ كيف تحملت كل هذا الضغط، وكل هذا الرعب يا صغيري، كيف مرت عليك كل هذه الساعات وحيداً في غيابة الجُبُّ. كَيْفَ رَبْطِ اللهِ عَلَى قَلْبِكَ وَأُسِّكُنَّ رَوَّحَكَ. لتتحمل ما تحملته على مدار أياماً خمسة مريرة، هل كنت تعلم أنك أصبحت محور العالم، وأنك ستظل هكذا رمزاً.
«ريان» في بئره السحيقة كان تجسيداً للمشيئة الإلهية التي كدنا أن نتناساها في غمرة صراعات ضيقة، و الأنا وغطرسة متجاوزة، كيف كان الأمل والرجاء في خروجه حياً، وخرج فعلاً نائماً ميتاً لكنه أيقظنا جميعاً، أيقظنا من سباتاً داخلي عميق ومشاعر تبلدت تحت وطأة ماديات وصراعات وتنافسات وأحقاد.
لكن إرادة الله كانت أعم وأشمل؛ ومن ضيق البئر إلى جنان ورحمة الله الواسعة، من باطن الأرض إلى عنان السماء، أرسل الله له ملاكاً يحرسه فصعد بروحه إلى السماء.. أيقظ إنسانيتنا ثم رحل.
«ريان» ومن قبله شروق عروسة النيل، ومن قبلهم الطفل السوري إيلان، ومعهم محمد الدرة، وغيرهم من ألاف الأطفال الضعفاء الذين يرزحون تحت وطأة القسوة والإهمال، جميعهم رسائل ربانية لإنقاذ ما بقي ما إنسانيتنا ـــ هكذا نرجو ــــ فهل تتلقى البشرية تلك الهدايا والعطاءات الربانية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية