نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: الإعلام وتشكيل الرأي العام

الإعلام إحدى وسائل صياغة وتشكيل الرأي العام في المجتمع، ويتضاعف دوره مع التطورات النوعية المتزايدة في مجال تقنية الاتصالات والتي منحت وسائل الإعلام قدرة هائلة في التأثير على الآخرين.

قضية الطفل المغربي – ريان أورام – تلخص حالة التطور الإعلامي في المشهد العربي والعالمي، وتؤكد على الدور الاستثنائي الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في التأثير على الرأي العام، بل وتوجيهه نحو أهداف بعينها، ومع أن دور الإعلام في قضية هذا الطفل كان دوراً إنسانياً إيجابياً في شحذ العواطف وتوحيدها مما شكل حالة من التلاحم والتقارب الشعبي العربي الذي لا يتكرر كثيراً بسبب تأثير الإعلام الضاغط نحو مأساة الطفل.

وهو ما لفت الانتباه في المقابل لآلاف الأطفال المشردين الذين يموتون جوعاً في بلدان أخرى معظمها عربية وإفريقية جراء الصراعات السياسية والعرقية، وحالة الفقر المدقع التي يعيشون فيها، وهو الأمر الذي أثار جدلاً حول دور الإعلام وقدرته على الاستقلالية والشفافية، وقدرته على تقديم رسالة إنسانية في القضايا المجتمعية بشكل عام.

الحقيقة أن وجود إعلام حر ومستقل وفقاً للمعايير المهنية النظرية، هي أكذوبة كبيرة روجتها الدوائر الإعلامية الغربية طوال عدة عقود حتى سقطت مع سقوط بغداد عام 2003، وتأكدت مع أحداث ما سمي بالربيع العربي الذى جاء وفق خطة ممنهجة وضعتها أجهزة وروجت لها معظم الدوائر الإعلامية الغربية، وسارت على دربها وسائل إعلام عربية، وتبين أن معظم بياناتها كانت مسربة من أجهزة المخابرات الغربية والأمريكية بهدف إسقاط الأنظمة العربية، والدفع بتيارات الإسلام السياسي إلى مقاعد الحكم والسلطة، وإحداث تغييرات جذرية في هذه المجتمعات جراء الحكم الديني الذى يؤدى بطبيعة الحال إلى انقسام مجتمعي قائم على الطائفية والعرقية في صراع مستمر لا ينتهى إلا بتقسيم الدول إلى دويلات صغيرة على غرار ما حدث في السودان.

وما زال يحدث في دول عربية أخرى من أجل إنفاذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي خططت له الإدارة الأمريكية ضمن واحدة من الحرب النفسية عميقة الجذور في المسيرة الإنسانية، والتي تطورت أدواتها مؤخراً وأصبح الإعلام في موقع متقدم ومؤثر في ساحات هذه المعارك.

إن المسئولية الوطنية للإعلام المصري، ما عاد لها أن تحتجز، وتظل عاجزة بعيداً عن أدوارها الاستثنائية في ظل الحروب الخفية التي يعيشها الوطن، لحروب إعلامية تأتى من الشرق ومن الغرب لضرب أهم مراكز القوة الناعمة التي يمتلكها هذا الوطن من خلال فئة ضالة ومضللة اعتادت الجلوس على كل الموائد.

كما اعتادت على بث الفوضى والجدل الاجتماعي من خلال التشكيك في كثير من عناصر القوة الناعمة التي يتفرد بها التاريخ المصري وأيضاً الرموز المصرية من خلال بعض الفضائيات التي باتت أذرعا سياسية لا منافس لها في الحروب الإعلامية والنفسية، والترويج لاستراتيجيات خاصة وقودها المال وأدواتها الإعلام، وأبطالها وحناجرها وجوه الجميع يعرفها، وطالما ارتزقت على جثة هذا الوطن، وليس أدل على ذلك من تجاهل كل ما يحدث في الجمهورية الجديدة، والثورة الحضارية التي تخوضها مصر.

ونفاجئ بهذه القنوات تعمل على إثارة الجدل والبلبلة من خلال طرح قضايا بعينها مثل جواز ضرب المرأة من عدمه، واستضافة شراذم المجتمع للحديث عن عالم بقيمة وقامة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الذى يجله ويقدره أكثر من مليار مسلم، ويمثل الأزهر الشريف أحد أقدم جامعات العالم، والقيمة الراسخة التي تحمل وسطية وعلوم وسماحة الإسلام، في مواجهة كل دعوات الغلو والتطرف والسلفية المتشددة، وأيضاً مواجهة الثقافات الشاذة التي تهدد المجتمع بالانحلال والفوضى، وغيرها من الثقافات التي تصدى لها الأزهر الشريف على مدار أكثر من ألف عام، وما زال يشكل أحد أهم عناصر القوة الناعمة التي تمتلكها مصر، وتثير حماقة البعض، ويحاول التقليل من شأنها بسلاح الإعلام ومرتزقته.

حمى الله مصر

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى