نون والقلم

طارق تهامي يكتب: حكاية محمد صلاح

انتهت بطولة الأمم الأفريقية، ورغم خسارة مصر المباراة النهائية، فإننا راضون تمامًا عن اللاعبين، وراضون بالنتيجة، فقد واجهنا إمكانيات لاعبين أكثر احترافية وقوة ولياقة بدنية، ولكن هذا الرضاء لا يمنع أن نتناقش بهدوء عن أسباب تقدم دول أفريقية كثيرة في كرة القدم نتيجة احتراف لاعبيها في أوروبا، واستمرارنا في الاعتماد على اللاعبين المحليين، وعدم قدرتنا على وضع خطة زمنية واضحة لإرسال لاعبينا – برعاية رسمية- لأكاديميات كرة القدم الخاصة بالأندية الأوربية مثلما تفعل بعض الدول الأفريقية التي كانت خلفنا بخطوات في مجال كرة القدم.

باستثناء لاعبنا الدولي، محمد صلاح، نجم نادى ليفربول الإنجليزي لا يوجد لاعب مصري لامع عالميًا، ولا تنسى أن محمد صلاح لاعب مكافح انطلق من نادى المقاولون العرب، بلا ضجة، ولا جمهور يسانده، حتى أصبح واحدًا من أفضل ثلاثة لاعبين في العالم طبقًا لتصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم! إذًا يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا سنفعل عقب اعتزال محمد صلاح بعد عدة سنوات؟ هل سنتراجع في مستوى أداء المنتخب الوطني؟ أم سنتمكن من تعويض غيابه في المستقبل؟

قطعًا.. الأمر يحتاج إلى خطة واستراتيجية واضحة للوصول إلى هدف يجب تحقيقه.. وهو أن يصبح لاعبو منتخب مصر الوطني لكرة القدم، جميعًا، من المحترفين في الدوريات الأوربية، حتى نستطيع مواجهة التطور الملحوظ في مستوى كرة القدم الأفريقية، وحتى نستطيع مواكبة عمليات التدريب والتأهيل والقوة، وحتى نتخلص من فكرة فريق اللاعب الواحد.. وهذا بدوره سوف يقودنا إلى تحقيق مزايا اقتصادية مهمة، كتبت عنها في مقال سابق في نفس هذه الزاوية منذ عدة أشهر.

قارن سعر صلاح بلاعبين آخرين في أفريقيا، وهذه المقارنة سوف تفتح المجال للحديث عن مجال مهم، من مجالات الإنتاج في البلد، وجلب العملة الصعبة، وهو مجال استغلال الإمكانيات البشرية الهائلة، في مجال الاستثمار الرياضي! للأسف مجال الرياضة في مصر يُنفق أموالًا هائلة، ولا يحقق عائدًا حقيقيًا، لأننا نتعامل مع الرياضة باعتبارها مُتعة، ناقصة، فننفق مليارات الجنيهات سنويًا على كرة القدم، وبث مبارياتها، دون غيرها من الألعاب، ولا نحقق عائدًا، استثماريًا خارجيًا، من ورائها، ولذلك أصبح المجال الرياضي، من الصناعات، التي نكتفى خلالها، بالحديث الدعائي عن بناء الإنسان، ولكننا لا نتميز فيه، كصناعة تحقق عائدًا استثماريًا، وعملة صعبة، مثلما يحدث في كثير من بلدان العالم!

والسؤال هنا.. هل لنا جميعًا، بدءًا من اتحاد الكرة وحتى وزارة الشباب علاقة بنجاح محمد صلاح إلى هذا الحد؟! قطعًا لا.. الحكاية عبارة عن موهبة يمتلكها شاب صغير يلعب في نادى المقاولون العرب، ووجدنا رئيس النادي شريف حبيب، يعمل على كيفية استثمار اللاعب، فتم بيعه في وقت مبكر، مع زميله لاعب نادى الأرسنال الإنجليزي، محمد النني، لأحد أندية سويسرا، لتبدأ عملية الاستثمار الهائلة، بسبب رفض هذا المسئول بيع أي من اللاعبين للأهلي أو الزمالك! وتعريف الاستثمار هو تصنيع المنتج في مصر، وبيعه للخارج، وجلب عملة صعبة، وهذا ما فعله نادى المقاولون، استثمر منتجًا مهمًا، اسمه «موهبة» محمد صلاح، وقام ببيعه للخارج، بمبلغ معقول وقتها، ليحصل على ناتج تطور المنتج، ووصوله إلى أكبر الأندية العالمية، وحقق أيضاً مردودًا دعائيًا، مهمًا، قل عنه ما شئت، سواء ناتجًا سياسيا، أو سياحيًا، أو أمنيًا، بسبب وجود لاعب يُذكر اسم بلده كلما يتم ذكر اسمه!.

أضف إلى ذلك.. أننا إذا تعاملنا مع كل الأنشطة الرياضية باعتبارها أنشطة اقتصادية، وقمنا بالتركيز، في الاستثمار الرياضي الشامل، سنتمكن من اكتشاف المواهب، في كل الألعاب، ليصبح عندنا لاعبون محترفون، في كل التخصصات، مثل لاعب الزمالك في كرة اليد أحمد الأحمر الذي لعب لفترة طويلة في فرنسا، ولاعب الأهلي في كرة اليد على زين المحترف في برشلونة، وعاصم مرعى لاعب الزمالك في كرة السلة المحترف حاليًا في تركيا، وقبلها في ألمانيا، ومثل العشرات من لاعبي كرة القدم المصريين المحترفين في أوروبا ودول الخليج! لماذا لا يتم تأسيس هيئة استثمارية متخصصة في رعاية الرياضيين الناشئين في كافة الألعاب، وتوريدهم للخارج بعقود مدروسة، وموثقة، بحقوق رعاية تستمر لفترات طويلة لصالح الأندية الأصلية التي لعبوا بها، بدلًا من إخضاع الناشئين المصريين لابتزاز (بعض) السماسرة الذين يتاجرون في الأولاد ويحققون من ورائهم ثروات، دون تحقيق فائدة للبلد أو اللاعب، ليعود هؤلاء «الأطفال» حاملين وراء ظهورهم فشل التجربة، بسبب قلة معرفتهم بالأوضاع في الخارج، أو بسبب إخضاعهم لسخرة اللعب بمقابل، لا يتساوي مع مواهبهم، ودون معرفتهم بقوانين البلاد التي ذهبوا إليها فيسقطون في أخطاء تكلفهم مستقبلهم الرياضي!

إذًا.. نحن نستطيع تحويل الرياضة إلى استثمار بدراسات اقتصادية متخصصة في الرياضة بدلًا من عشوائية الاكتشاف، وبدائية التسويق! ونستطيع بالتخطيط أن نلحق بقطار كرة القدم في أفريقيا الذي يذهب على محطات مساوية لنا وأخشى أن لا نستطيع اللحاق به في المستقبل!.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى