نون والقلم

محمد يوسف يكتب: «ريان».. يختصر مآسينا

هذه أمة طيّبة، وقد تجلّت طيبتها طوال الأيّام الخمسة التي شهدت مأساة الطفل المغربي «ريان»، خصوصاً من اليوم الثالث وحتى النهاية.

أتحدث بصفة خاصة عنّا هنا في دولة الإمارات، عن الناس، المجتمع بكل فئاته، أطفال وشباب وأمهات، رجال وفتيات، كلهم كانوا يتابعون النقل الحي للحدث من تلك القرية الصغيرة في الشمال المغربي، والتي يبدو واضحاً أن الغالبية لم تسمع باسمها من قبل، ولكن الدم الذي يسري في العروق هو الذي حرّك المشاعر، وجعل التعاطف على كل لسان، أدعية وقراءة قرآن ترتفع إلى السماء، ودموع تنهمر حزناً على حزن الأم والأب وكل الذين عرفوا «ريان»، ذلك هو الدم العربي، والانتماء الديني، تحركه الروابط وليس الانتماءات.

ولو نظرنا إلى الأمر بمنظور أكثر اتساعاً سنجد البلاد العربية اجتمعت في الأيام الخمسة، أيام المأساة، كما لم تجتمع من قبل بوسائل إعلامها، وبمشاهيرها، وبحسابات الأفراد في مواقع التواصل، الكل يبحث عن خبر، يسأل أو يجيب عن تساؤلات، ويعدّ الدقائق مع كل موعد يصرّح به مسؤول أو يحدّده شخص يقف بالقرب من البئر التي ابتلعت «ريان»، وكان الجميع يتسابقون على نشر الأخبار المتفائلة، فهم يريدون نهاية مفرحة، ولو لمرة واحدة، يريدون أن يخرج «ريان»، وتنتصر الإرادة التي تحلّت بها فرق الإنقاذ، فهذا الطفل ما عاد فرداً، بل أصبح قضية، وأصبح أمنية، واختصرت حياة كل الأطفال في مناطق النزاعات والصراعات والحروب والفرز الطائفي في هذا الطفل، فهذه الأمة لها أطفال يشرّدون، بعضهم يعيش في الخيام، والبعض الآخر يلتحف بالسماء لأنه لم يستطع الوصول إلى مركز إيواء، وهناك أطفال ذهبوا ضحية للأيادي العابثة.

«ريان»، عليه رحمة الله، كان ينوب عن كل الأطفال. وقد وجدت الأمة من خليجها إلى محيطها في هذا الطفل أملاً وفرصة للتعاطف. ولم ييأس كل من تابعوا تطورات مأساته، لأنها أمة طيّبة ومحبّة. تريد الخير لأبنائها، وتكره الشر والأشرار، وتنظر إلى غدٍ مشرق دوماً.

نفد الوقت، ولم يقو ذلك الجسد الغضّ على تحمّل «غياهب» البئر، وأسلم «ريان» الروح، وعزّت الأمة نفسها وهي المكلومة. ودعت لأمه وأبيه بأن يخفّف إيمانهما من صدمتهما. وأن تغسل دموع أمة عظيمة أحزانهما.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى