نون والقلم

رانيا أبو الدهب تكتب: لا تسرف ولا تفرط كثيرا.. ففي الإفراط تفريط

كلمة «الإسراف» في اللغة تُطلق على مجاوزة الحد في الأفعال والأقوال. وهو صفة سلوكية مقيتة تعني الزيادة فيما لا داعي له ولا ضرورة حتى لو كان ذلك في أمر مباح. فالإسراف سبب كل جفاف.

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما والمقصود هنا هو الاقتصاد في الحب.

فإنّ الإسراف في الحب داع إلى التقصير، فعسي أن يصير الحبيب بغيضا، فلا تكن مسرفا في الحب فتندم، لأن القلب يتقلب.

يؤكد خبراء العلاقات الاجتماعية أن الإسراف في المشاعر يسبب ألما وتعاسة لمن يحب وقد يضر المحبوب في النهاية. وأن العلاقة الشخصية التي تدمر الصحة العاطفية تعني أن صاحب العلاقة مريض بالإسراف في الحب وعليه أن يعالج من هذا المرض.

كما أكد خبراء علم النفس أن المسرف في مشاعر الحب يكون في العادة أحد أفراد عائلة مفككة أهملت في تلبية احتياجاته الشعورية عندما كان طفلا أو شابا صغيرا، ولذلك فهو يحاول سد ذلك النقص في داخله عن طريق الاعتناء المبالغ فيه بالآخرين. وخاصة بالشخص الذي يكن له مشاعر الحب. ولأن هذا الشخص لم يستطع في الماضي جعل والديه قادرين على إشباع احتياجاته الشعورية. فهو يحاول جاهدا تغيير من يحب عن طريق إغراقه بمشاعر الحب.

والشخص المسرف في الحب يبذل في الحب كل ما في جهده لإرضاء الآخرين لأنه يفتقد الحب في كل علاقاته الخاصة. ويخشى الهجر ويبذل كل ما في وسعه لكي لا تنتهي علاقاته الاجتماعية والعاطفية بالفشل. وهو على استعداد أيضا لتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية واللوم عن كل علاقة تفشل.

ولدى المسرف في الحب رغبة داخلية في أن تكون له السيطرة على الآخرين وذلك من خلال بذل جهد أكبر من الآخرين في مساعدتهم ورعايتهم، كما أنه ينجذب للأشخاص الذين تحيطهم المشاكل من كل جانب لأنه يدمن الشعور بالألم وكذلك ميله الشديد لـ الاكتئاب.

ما أجمل الشعور بالأخر والإحساس به وحب مساعده الغير، أنه شعور يجعل الإنسان يخرج من نطاق الأنانية. وحب الذات ويسلُك منهج الإنسان العطوف المهتم في حياته فيجنو ثماره في سعادة روحه وتنمية ثقته بنفسه. ويعزز علاقاته الاجتماعية ويقوي الروابط بينه وبين من حوله.

لكن عندما يتكلف الإنسان في هذا الاهتمام بدون التفكير في نفسه وفي مقدرته على المداومة على هذا العطاء سيتحول من تطوع نابع من حبك لمن حولك سواء كانوا أشخاص أو شخص وإحساسك بهم أو به إلى عطاء متُكلف مفروض وسيصبح جزء طبيعي من معاملاتك مع من حولك ولن يروا بعد ذلك هذا الاهتمام ولن يشعرون به من الأساس فإنه أصبح من عاداتك بل أصبح من واجباتك الاجتماعية نحوهم ومن ثم يتحول من نطاق الاهتمام إلى الفرض. فيدخلك هذا العطاء المتكلف في نطاق الثقل على النفس و طريقك للمشقة والأعباء الغير مبررة التي فرضتها أنت على نفسك، ولم يطلبها أحد منك فيمكنك وضع عشر ملاعق من السكر في فنجان الشاي فعندما يتذوقه من تحب ينهرك ولا يستطيع شرب الشاي فيحزنك رد فعله لأنك وضعت كثير من السكر حبا وكرما واهتماما.. ولكنه لم يطلب منك وضع هذه الكمية من السكر والتي أضاعت مذاق الشاي الذي يفضله فانت من فعل ذلك من باب الحب والاهتمام الزائد والغير مبرر.. فهذه الأعباء ستدخلك في صراع داخلي مع نفسك لمحاولتك طوال الوقت الاستمرار في العطاء المتكلف مع عدم قدره نفسك في الاستمرار في هذا الإطار الذي فرض عليك .

حتى العلاقات الاجتماعية القوية التي كونتها علي أساس هذا العطاء المتكلف. سواء كان عطاء مادي أو معنوي مصيرها للضعف لأن هذا التكلف مع الوقت جعل من حولك يظنون. أن ما تقدمه لهم هو العطاء الطبيعي. الذي يستحقونه منك هو المفروض عليك القيام به فإن قررت في يوم إنهاء هذا التكلف. أو حتى التقليل منه لن يرونه سوي تقصير منك نحوهم. في هذه الحالة لا تضع اللوم علي من حولك فأنت من أثقلت على نفسك وضعتها في هذا الإطار الشاق بتكلفك.

إن الاهتمام سلوك رائع يحبه الجميع لكن هناك خيط رفيع بين الاهتمام وظلم النفس بالتكلف في العطاء. فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: «نُهينَا عنِ التَّكلُّفِ» رواه البُخاري.

ولا اخفيكم سرا أننا جميعا مسرفون تجاه شخص ما في حياتنا على الأقل.

فعندما يصيبنا فيروس الحب تتغير القوانين.. ولكن يجب أن يكون هذا استثناء فقط لمن يستحق.. وليس سلوك عام للفرد تجاه الأخرين وإلا يجب علينا مراجعة طبيب نفسي للمعالجة.

فالإسراف في الحب كالإسراف في الطعام يسبب السمنة العاطفية والتي قد تسبب وفاة القلب أحيانا.

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى