تتضرع «تيسير سمك» وأسرتها وكل من يمتلك قلبًا مرهفا إلى الله أن يمن على «إبراهيم عبد المجيد» بالشفاء. وزارة الثقافة لم ترسل حتى الآن باقة ورد إلى زيوريخ حيث يخضع لجراحات خطيرة متتابعة، تستغرق الواحدة منها ساعات طويلة.
هيئة الدكتور هيثم لم تقرر بعد -حتى هذه اللحظة- إصدار كتيب تذكاري احتفاء به، هدية ثمينة لرواد معرض الكتاب المقبل. نقابة (اتحاد) الكتاب مازالت تلملم جراحها إثر استقالات بالجملة لعدد من اعضاء مجلس الإدارة.فيما يتعلل النقيب بجائحة كورونا، ليواصل التنصل من هذا الاستحقاق المهم.. وبالتالي فهي لا تهتم بأن تكلف أديبًا مرموقا بكتابة بيان يتذكر معه الناس عبد المجيد، يبث فيه وفي محبيه روح العزيمة والتفاؤل، بأن صاحب الإسكندرية المدينة التي لا تنام، لن تنم إسكندرية قبل أن يعود إبراهيم ليعانق بحرها، وسماء شتائها المغسولة بمطر الجمال.
لم تنظم «الأوبرا» ندوة أو ملتقى أو ورشة أدبية، امتنانا للسعادة التي يمنحها لنا أحد علامات الرواية العربية. لم ترسل له صحيفة أدبية أو مجلة ثقافية باقة ورد من القاهرة إلى سويسرا.. ولو كانت من زهور الكلمات، أو حتى برقية تهنئة بعد جراحته الصعبة التي استغرقت 13ساعة متصلة، سيعقبها جراحة أخرى لملء فقرات الظهر المتآكلة بمادة إسمنتية. هذه الأيام يكتفى الناس بكلمات مجانية على فيسبوك وتويتر، ولا أظن «الانستغراميين» -المولعين بحمو بيكا ورمضان وشاكوش وسوستة – يهتمون بغير هؤلاء!
والله عيب.. اختلف المثقفون فيما بينهم وخاضوا معركة مع هاني شاكر، بذريعة الانتصار لحق الجميع في الغناء، وأن الجمهور وحده هو صاحب الحق في منح أُذنه وماله واعجابه لأي عجلاتي يغني. ولم يفكر هؤلاء الـ(متخانقين) في غير معركة، في الأقدام على معني إنساني أرقى وأنبل. قبل أيام حلت ذكري رحيل رفعت سلام أحد قادة كتبية الشعر الجديد دون احتفاء!
ويكاد الروائي محمود قاسم أن يفقد المزيد من اعضائه في صراعه مع السكر اللعين، ويعلم الله إلى أي حد بلغ الشاعر الفارس محمود قرني في مرحلة علاجه التي مضي عليها عامين تقريبًا.. وها هو إبراهيم عبد المجيد يقبع رهين مشارط الجراحين.. ينزف ألماً.. والسؤال هو «الخناقة على إيه». !
المسئول الثقافي الرسمي غائب دائما عن المشهد الإبداعي، فلا منارات وزارته أضاءت عقولا، ولا شموع الإنسانية أنارت في قلوب المبدعين؟ المبدعون يفترسهم المرض أو الموت ومع هذا فإن التحركات الرسمية بطيئة أو منعدمة.. ولا يملك المتابعون سوي مصمصة الشفاه!
يبرع البعض في معارك وهمية ويؤصلون لها تأصيلا تاما.. فبذريعة عدم جواز الوصاية على الابداع يُطَلِقون الذائقة البديعة التي تميزنا. في السابق كانت لجنة الإذاعة تجيز المطربين وأغنياتهم، والرقابة على المصنفات وحدها تسمح بإنتاج الأفلام وبعرضها العام.
اليوم ينعون على نقابة الموسيقيين الحفاظ على متذوقي ثومه وعبد الوهاب الغريب أن الذين يحاولون الدفاع عن فنون خزعبلية مهرجانية «طاهرة»(!!) هم الذين كان يزعجهم من قبل تسيد تجار الخيش والخردة للمشهد السينمائي، بإنتاج أفلام المقاولات، وكثيرا ما انتقدوا تدخل الدولة في الإنتاج.. زمن راح واتقضى !
فيه إيه يا ناس؟ أتتركون أكثر الأمور نبلًا وانسانية و «تتشعبطوا» في سبنسة «ترام أغاني المهرجانات؟ لماذا قضايا الذوق والوجدان في المؤخرة».. بينما مصر في أضعف حالات قوتها الناعمة.. فتقريبا الفن يعمل بربع طاقته، ونجوم كبار- وشباب أيضا يكادوا ان يقولوا فنيًا «عشانا عليك يا رب» !
ألم ينبئكم أحد أن الإذاعة كان بها لجنة لإجازة المطربين وأغنياتهم؟ غريبة.. صمتم وأكلت القطة ألسنتكم وهذا «الفسل» يعلن أنه غير كلمات أغنيته، لأن الحشيش والخمور تناسب أرض مصر (……) لكنها لا تناسب أرض البترودولار «الطاهرة»؟
لا تقوم القيامة في مصر بعد هذه الإهانة، ولا يطالب أحد باقتياده من المطار إلى أمن الدولة، بينما تستمر «خناقة المثقفين» حول حق الغناء لكل من هب ودب.. وبينما نذهب بأحمد عبده ماهر إلى السجن لأنه كتب رأيا في البخاري، ونفرق بين نصر أبو زيد وزوجته لأننا لم نستطع إن نجد قانونا يقتص منه، لأنه قال أن القرآن منتج ثقافي، فإننا نقدم لمطرب المهرجانات الشهرة والمال.. وأيضا ننتظر عودته إلينا «باللامبورجيني» فيزهو بها في شوارعنا، بينما يزهو «مثقفينا» بأنفسهم وهو يكتبون قصائد المديح في «الواد حمتو بياع البليلة، وقدرة بتاع الفول والجحش بتاع البطاطا»!.. ومعسله أوي يا بطاطا. وسلام كبير لعمنا إبراهيم عبد المجيد!
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية