حسناً فعلت وزارة الداخلية، بالرد والكشف السريع عن حقيقة التسريب المزعوم الموجه ضد مؤسسات الدولة، وتزييف الوعي هو ترويج لمعلومات غير دقيقة بشكل مقصود والتشكيك في كل الإجراءات التي تتخذها الدولة. هذا التسريب المفبرك وما تبعه من بياناً رسمي لوزارة الداخلية حول التسريب. والكشف عن تفاصيله وجميع عناصره يكشف عن دلالاتٍ عدة.
الدلالة الأولى: أن حرب تزييف الوعي بالشائعات، ومحاولات التشكيك لا تزال قائمة ومستمرة، خاصة في ظل وجود وانتشار ذباب الجماعة المحظورة الإلكتروني والذين لا يزالون يتعاطفون معها؛ تلك الكتلة التي تحاول استغلال أنصاف المواقف صحيحة كانت أم خاطئة لتبث روح اليأس والإحباط والتشكيك في كل ما هو قائم، ترى كل شيء بعين واحدة فقط ــ حتى لو كان إنجازاً واقعاً وملموساً بالفعل ــ لأن العين الأخرى لا يرى بها سوى الفشل والإحباط واليأس والتشكيك دائما في كل شيء بل ومحاولة تضليل الرأي العام وتزييف وعيه سواء عمداً أو جهلاً.
الدلالة الثانية: أن الأجهزة الأمنية على يقظة تامة بما يحيط بالوطن من أخطار وتربص، وأنها باتت قادرة؛ ليس فقط على الحماية والمواجهة. لكن أيضاً على الاستباق والوقاية من كل ما يهدد أمن الوطن والمواطن.
الدلالة الثالثة: أن حروب الشائعات والسعي لتزييف الوعي ليست وهماً كما يحاول البعض الترويج أو التقليل من أثر تلك الحروب؛ تعود مسألة تزييف الوعي بقوة، بعدما أضحى العالم «قرية إلكترونية»، وفق ما نظر له الفيلسوف وعالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان« Marshall McLuhan »، الذي أكد على أولوية الوسيط الاتصالي في التأثير في المجتمع، من خلال تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة.
ومع تعاظم دور الإعلام البديل (مواقع التواصل الاجتماعي) يصبح الخطر واقعاً،ـ حيث أثبتت الدراسات العلمية الحديثة اعتماد الجمهور على هذه المواقع للحصول على المعلومات والأخبار فتشكل لدى فئات في المجتمع رأي عام سلبي تجاه العديد من المؤسسات والشخصيات العامة والقضايا العامة، مبني على معلومات وأخبار ملفقة وغير صحيحة.
الدراسات الحديثة على مضمون مواقع التواصل الاجتماعي. أشارت إلى أن المضمون في أغلبه غير صحيح ويعتمد على المعلومات المزيفة والاشاعات الكاذبة. وأصبح الكل في تواصل مستمر ودائم، بفضل مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بعيدا عن قيود الرقابة وآليات الضبط التقليدية.
هذا التطور المتلاحق في وسائل التواصل الاجتماعي أعاد إشكالية ومسألة تزييف الوعي بقوة، وبشكل عكسي. فبحسب باولو فريري « Paulo Freire » أضحى «تضليل عقول البشر من خلال هذه الوسائل أداة للقهر. يتم استغلاله من قبل البعض في تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة».
الدلالة الرابعة: استمرار الدور والتأثير المتراجع للإعلام المرئي والمسموع. والذي من المفترض أن يكون رأس حربة الدولة في معركة الوعي. غير أن تركيز وسائل الإعلام على القضايا السطحية دون القضايا الجماهيرية التي تهم المواطنين. ويضيع وقت برامج الهواء في موضوعات فرعية تعتمد على الإثارة بهدف جذب الإعلانات.
لذلك تستدعي مواجهة هذا التزييف التركيز على القضايا الثقافية في إطارها الإقليمي والجغرافي. والاعتماد على الجدية والمهنية في التعامل مع هذه القضايا وأن يتم مناقشة القضايا بعمق وبمسئولية مهنية.
ويجب على وسائل الإعلام أن تكون متوازنة وتعمل بشفافية مطلقة من خلال إبراز الحقائق للرأي العام بمعلومات دقيقة دون تزييف. ومع الأسف الشديد فإن عديد برامج الفضائيات تبني أجندتها على هذه المعلومات غير الدقيقة المستقاة من مواقع التوصل الاجتماعي. بما ينعكس على الرأي العام ويؤثر فيه سلبيا.
الدلالة الخامسة: أن مؤسسات بناء وعي الرأي العام والتنشئة والثقافة السياسية غائبة عن المشهد تماماً ولابد أن يكون هناك تفعيل في دور الأحزاب السياسية، بيوت العبادة والمدارس والجامعات، باعتبارها أهم وسائل التوعية والتنشئة السياسية.
وانتهاءً؛ لن تبتلع جماعةً وطناً ولن يهزم تنظيماً شعباً ودولة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية