منذ نهاية الحرب الفييتنامية في 30 أبريل 1975، أصبح كل الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض أكثر انشغالاً واهتماماً بأحداث الشرق الأوسط. وخلال كل هذا الوقت الطويل، أهدرنا الكثير من الأموال، وأرسلنا المزيد من الجنود، وخضنا المزيد من الحروب، وفقدنا المزيد من الأرواح، وبدّدنا من رصيدنا السياسي في المنطقة بأكثر مما فعلنا في أي مكان آخر من العالم. والآن، وعلى رغم كل هذا الذي حدث، لا نزال نعاني مرضين قاتلين هما: التغافل الهائل، وفي بعض الأحيان المبيّت والمقصود عن الاهتمام بالشرق الأوسط وشعوبه، والفشل الذريع في ابتداع النمط السياسي المعقول الذي يضمن أن يكون تدخلنا في المنطقة بنّاءً أثناء معالجة القضايا الملحّة التي نواجهها هناك.
وقد كنت أتابع كل الحوارات الرئاسية منذ عقود عدة وحتى الآن، أملاً في أن أعثر على أية بوادر من المرشحين أو الصحفيين الذين يوجهون إليهم الأسئلة، تشير إلى اهتمامهم الجاد ولو بشكل ضئيل بالقضايا الرئيسة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وكنت في أغلب الأحيان، أشعر بخيبة الأمل، لأن هذه المشاكل كانت تتعرض للتجاهل التام أو التناول بشيء من الاستعجال وعدم التروّي، وهذا ما يفسر الطريقة التي تم بها تناول هذه المشاكل في أول ندوتي نقاش نظمهما الحزب الجمهوري. وعندما يتعلق النقاش بقضايا السياسة الخارجية، فلقد كان الأمر يقتصر إما على التسابق لإظهار الحبّ والمواقف المنحازة بشكل فج إلى جانب إسرائيل، أو إطلاق تعابير النقد المتحامل «لضعف» الرئيس أوباما والأخطاء التي ارتكبها فيما يتعلق بعقد الصفقة النووية مع إيران. ومن ذلك مثلاً، أن المرشحة «كارلي فيورينا» أطلقت تعهداً غريباً عندما قالت: «خلال اليوم الأول الذي سأقضيه في المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس)، سأحرص على إجراء أول اتصال هاتفي مع صديقي العزيز «بيبي» -وهو اسم التدليل لنتنياهو- للإعراب له عن حرص أميركا على الوقوف إلى جانب دولة إسرائيل». وبدوره، أطلق المرشح الجمهوري «توم كروز» وعداً «بإلغاء الصفقة الإيرانية ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس». واستنكر آخرون السياسة الخارجية الضعيفة لأوباما، وتعهدوا بإظهار المزيد من القوة في معالجة الأزمة السورية، فيما ذكر «جيب بوش» بموقف شقيقه جورج بوش، معتبراً إياه معبّراً عن القوة عقب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها أميركا في شهر سبتمبر من عام 2001، حيث قال بلهجة غريبة يغلب عليها طابع التبجح، إن هذا الموقف هو الذي جعل أميركا أكثر أمناً وجدارة بالاحترام في العالم.
وفيما تميزت جلستا النقاش للحزب الجمهوري بخوائهما وإثارتهما للقلق، فقد حملت جلسة الحوار التي نظمها الحزب الديمقراطي هذا الأسبوع بوادر الأمل، وتخللها حوار موضوعي ذو أهمية بالغة يتعلق بما إذا كان استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية في العراق وسوريا وليبيا مبرّراً وفعالاً أم لا.
وقد عمد أربعة من المتنافسين الديمقراطيين على الترشح لانتخابات الرئاسة، إلى توجيه النقد العنيف لهيلاري كلينتون بسبب تأييدها للرئيس السابق بوش الابن وتصويتها لصالحه عندما قرر شنّ الحرب على العراق. وذهب «بيرني ساندرز» في هذا الصدد، إلى حد وصف الحرب على العراق بأنها «أسوأ حماقة في تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة». كما تساءل «لينكولن شافي» عما إذا كان تصويت هيلاري كلينتون لصالح الحرب في العراق يكفي للطعن في صلاحيتها لأن تكون القائدة العامة للقوات المسلحة. وكانت هناك تساؤلات أخرى تتعلق بالدور الذي لعبته هيلاري في حثّ أوباما على استخدام القوة المسلحة في ليبيا، وكذلك دعمها لفكرة فرض القوات الجوية الأميركية لمنطقة حظر جوي أو «مناطق آمنة» في سوريا.
وأثمرت هذه النقاشات والتحديات عن التوصل إلى تفاهم مشترك بين الديمقراطيين بأن الحرب على العراق انطوت على فشل مدمّر، وكانت مستندة إلى كذبة كبرى، وأدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وزادت من قوة إيران، وأضعفت من تأثير القوة العسكرية الأميركية، وشوّهت سمعة واشنطن السياسية في المنطقة.
وبالفعل كان الحوار الديمقراطي يمثل بداية جيدة لولا أن للديمقراطيين مشكلتهم. وذلك لأن زعماءهم كانوا يؤثرون لفترة طويلة تجاهل الاهتمام بالمشاكل المعقدة لمنطقة الشرق الأوسط لأنهم ببساطة ما كانوا يتلمسون أية عوائد سياسية من وراء الغوص في الحقائق المتعلقة بأوضاع العرب والمسلمين. وكان يكفيهم أن يعلموا شيئاً واحداً، وهو «أن علاقاتنا مع إسرائيل ليست قابلة للنقاش».