نون والقلم

طارق تهامي يكتب: مواهب تبحث عن الاستثمار

الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تحتفى الآن، بلاعبنا الدولي محمد صلاح، المحترف في صفوف نادى ليفربول الإنجليزي، لأنه يستعد لتجديد التعاقد مع ناديه بمبلغ 117 مليون جنيه إسترليني (أي ما يوازي 2مليار و340 مليون جنيه مصري) ونتحدث عن الصفقة الضخمة دون أن نقوم بالتركيز في نسبة نادي المقاولون العرب، الذي يحصل على نسبة من كل صفقات بيع اللاعب، وانتقاله، من نادٍ إلى آخر، لأنه النادي الذي يمتلك حق رعاية اللاعب!! وأصبحت حقوق نادى المقاولون العرب في رعاية اللاعب تشبه الودائع أو شهادات الاستثمار التي تنتج عائدًا استثماريا ضخمًا ومنتظما في بنك لا يتوقف عن صرف الريع والمستحقات!!والسؤال الذي يطرح نفسه أليس هذا استثمارًا، يستحق الاهتمام! أليست هذه أموالًا وعملة صعبة، تمثل دخلًا، مهمًا للدولة؟!

والسؤال الآخر.. لماذا لا نطرح مجال الاستثمار الرياضي باعتباره جزءًا أساسيًا من مجالات الاستثمار العام، وجلب العملة الصعبة، وباعتباره مجالًا نستطيع تسميته «استغلال الإمكانيات البشرية في مجال الاستثمار الرياضي»! للأسف مجال كرة القدم، النموذج المسيطر على الرياضة في مصر يُنفق أموالًا هائلة، ولا يحقق عائدًا حقيقيًا، لأننا نتعامل مع الرياضة باعتبارها مُتعة، ناقصة، فننفق مليارات الجنيهات سنويًا على كرة القدم، وبث مبارياتها، دون غيرها من الألعاب، ولا نحقق عائدًا، استثماريًا خارجيًا، من ورائها!

والسؤال هنا.. هل منظومة كرة القدم في مصر لها علاقة بنجاح محمد صلاح إلى هذا الحد؟! قطعًا لا.. الحكاية عبارة عن موهبة يمتلكها شاب صغير يلعب في نادى المقاولون العرب، ووجدنا رئيس النادي شريف حبيب، يعمل على كيفية استثمار اللاعب، فتم بيعه فى وقت مبكر، مع زميله لاعب نادى الأرسنال الإنجليزي الحالي، محمد النني، لأحد أندية سويسرا، لتبدأ عملية الاستثمار الهائلة، بسبب رفض هذا المسئول بيع أي من اللاعبين للأهلي أو الزمالك! ولأن تعريف الاستثمار، هو تصنيع المنتج في مصر، وبيعه للخارج، وجلب عملة صعبة، وهذا ما فعله نادى المقاولون، فقد استثمر منتجًا مهمًا، اسمه «موهبة» محمد صلاح، وقام ببيعه للخارج، بمبلغ معقول وقتها، ليحصل على ناتج تطور المنتج، ووصوله إلى أكبر الأندية العالمية، وحقق أيضًا مردودًا دعائيًا، مهمًا، قل عنه ما شئت، سواء ناتجا سياسيًا، أو سياحيًا، أو أمنيًا، بسبب وجود لاعب يُذكر اسم بلده كلما يتم ذكر اسمه!

طيب.. ماذا لو تعاملنا مع كل الأنشطة الرياضية باعتبارها أنشطة اقتصادية، ولا نهتم بلعبة كرة القدم فقط، ولكن نقوم بالتركيز، في الاستثمار الرياضي الشامل، ونكتشف المواهب، في كل الألعاب، ليصبح عندنا لاعبون محترفون، في كل التخصصات، مثل لاعب الزمالك في كرة اليد أحمد الأحمر الذى لعب لفترة طويلة في فرنسا، وبسبب احترافه أصبح لدينا لاعبون آخرون لكرة اليد من أعمدة الأندية الأوروبية مثل على زين ويحيى خالد، وعاصم مرعى لاعب كرة السلة المحترف حاليًا في أوروبا، ومثل العشرات من لاعبي كرة القدم المصريين المحترفين في أوروبا ودول الخليج!.

لماذا لا يتم تأسيس هيئة استثمارية متخصصة في رعاية الرياضيين الناشئين في كافة الألعاب، وتوريدهم للخارج بعقود مدروسة، وموثقة، بحقوق رعاية تستمر لفترات طويلة لصالح الأندية الأصلية التي لعبوا بها، بدلًا من إخضاع الناشئين المصريين لابتزاز (بعض) السماسرة الذين يتاجرون في الأولاد ويحققون من ورائهم ثروات، دون تحقيق فائدة للبلد أو اللاعب، ليعود هؤلاء «الأطفال» حاملين وراء ظهورهم فشل التجربة، بسبب قلة معرفتهم بالأوضاع في الخارج، أو بسبب إخضاعهم لسخرة اللعب بمقابل، لا يتساوى مع مواهبهم، ودون معرفتهم بقوانين البلاد التي ذهبوا إليها فيسقطون في أخطاء تكلفهم مستقبلهم الرياضي!

لماذا لا نتبنى لُعبة أخرى، بجانب كرة القدم، لتحويلها إلى لعبة شعبية، ننتج من خلال نشرها، مواهب كثيرة، يمكن توريدها للاحتراف في الخارج، ولتكن كرة اليد أو السلة أو تنس الطاولة! أتذكر أنني وجيلي كنا نلعب تنس الطاولة في طاولات منتشرة داخل المحلات، والساحات الخالية بشكل لافت في الثمانينيات، وكان صديقنا وجارنا وزميل الدراسة، أشرف حلمي، بطل أفريقيا للناشئين في تنس الطاولة في ذلك الوقت، هو النموذج الذي نريد الوصول إليه، باعتباره بطلًا قوميًا، تهتم الصحف بأخباره، ولكن للأسف، اختفت هذه الطاولات، وانتهى الاستثمار البشرى في هذا المجال! أتذكر أيضًا أن عددًا من مدربي كرة السلة في نادى التوفيقية، حضروا لمدرستي الإعدادية، لاكتشاف طلاب يتميزون بطول القامة، لتدريبهم على لعبة كرة السلة، وبالفعل أصبح جميعهم لاعبين محترفين، أتذكر منهم فتحي عبد العزيز، لاعب المنتخب الوطني لكرة السلة الأسبق، والذي انتقل لنادى الجزيرة من نادى التوفيقية، وهو حاليًا مدرب محترف لكرة السلة!

إذن، نحن نستطيع تحويل الرياضة إلى استثمار بدراسات اقتصادية متخصصة في الرياضة بدلًا من عشوائية الاكتشاف، وبدائية التسويق!

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

‏tarektohamy@alwafd.org

t   F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى