شهدت منطقة البحر الأسود خلال الأسابيع الماضية، توترًا محمومًا بين الغرب وروسيا إثر مناورات عسكرية أجراها حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، فيما اعتبر الروس هذه المناورات «عملاً عدائيًا وتهديدًا مباشرا لأمنها».
اقرأ أيضا:
-
تراجع أسعار الغاز في أوروبا مع زيادة الإمدادات من روسيا
-
وزير الدفاع الروسي: نتابع عن كثب تحركات الناتو في أوروبا
-
جو بايدن: روسيا تسعى لإضعاف الناتو والمشروع الأوروبي
-
الرئيس الأمريكي يؤكد رؤيته لعلاقات الولايات المتحدة مع الأوروبي والناتو
لم تكن هذه المناورات هي الأولى من نوعها، حيث أجرى حلف الناتو في البحر الأسود خلال يونيو الماضي، مناورات ضخمة يصل قوامها لخمسة آلاف جندي وعشرات السفن الحربية والطائرات، شاركت فيها أوكرانيا ودول حليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
من جانبها، أجرت روسيا مناورات مع حليفتها بيلاروسيا، سبتمبر الماضي، في تسع قواعد عسكرية روسية وخمس قواعد بيلاروسية في منطقة البلطيق، واستنكرت بولندا هذه المناورات واعتبرتها «خطرًا يجب التصدي له».
قلق غربي من تطور علاقات موسكو ومينسك
وينظر الغرب بتوجس للعلاقات الروسية البيلاروسية الآخذة في التنامي، خاصةً بعد ازدياد التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين، الذين أجرى مشاورات بشأن حدوث وحدة بينهما، ما يشكل حسب مراقبين «تهديدا مباشرًا لدول الناتو شرق أوروبا».
وجاء في مقال نُشر على موقع «19 فورتي فايف». أن «تحقيق الوحدة بين روسيا وبيلاروسيا سيدفع بالناتو إلى التقهقر من شرق أوروبا إلى الغرب بعيدًا عن روسيا». محذرًا من الخطر الذي سيتضاعف بعدما تحصل بيلاروسيا على منظومات صواريخ «إس-400» من موسكو.
وتشهد العلاقات البيلاروسية الأوروبية تدهورًا بعد أزمة اللاجئين التي تصاعدت خلال الشهر الجاري، حيث يتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بافتعال الأزمة، ردًا على العقوبات التي فرضها الاتحاد على مينسيك بسبب قمع المعارضة، كما تشير بعض التقديرات لضلوع الروس في أزمة المهاجرين إلا أنّ موسكو تنفي صلتها بالأحداث.
من جهتها، أعلنت بولندا فرض حالة الطوارئ على طول حدودها الشرقية، وحظرت وصول وسائل الإعلام إلى المنطقة الحدودية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى هذا الإجراء منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.
تدهور علاقات الروس وحلف الناتو
كانت موسكو قد أعلنت، أكتوبر الماضي، تعليق عمل بعثتها لدى حلف شمال الأطلسي. وإغلاق مكاتب الحلف في موسكو، في ظل تدهور العلاقات بين الغرب والروس في عدة أصعدة.
وعلى مر السنوات الماضية، شهدت منطقة القرم تزايد المناورات العسكرية بشكل ملحوظ خاصةً بعد ضم روسيا عام 2014 شبه جزيرة القرم التي كانت جزءًا من الأراضي الأوكرانية، وهي الخطوة التي نددت بها الأمم المتحدة، معتبرةً أنه «احتلال وتعدٍ على السادة الأوكرانية».
ومنذ سبتمبر الماضي، بدأت قوات روسية في الاحتشاد على الحدود مع أوكرانيا. حيث أظهرت صور التقطتها أقمار صناعية حشودًا لوحدات المدرعات والدبابات والمدفعية. بالإضافة إلى القوات البرية، إلا أنّ الكرملين ينفي وجود حشود عسكرية جديدة.
من جانبه، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انزعاجه من الحديث عن مشاورات تجري بشأن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، مشددًا في خطابٍ ألقاه في سوتشي أن هذا «قد لا يحدث أبدًا».
البحر الأسود.. أهمية استراتيجية ومركز للصراع
وفي الوقت الذي تتزايد فيه حدة الاستقطاب بين الغرب وروسيا، يُرجع محللون التنافس العسكري المحموم والمعارك الدبلوماسية المستعرة، للأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود، الذي يعد حلقة الربط بين أوروبا والشرق الأوسط، ويعتبر الممر الوحيد لروسيا للبحر المتوسط، كما يربط بين قارتي أوروبا وآسيا، وبالتالي يمثل مجالاً أساسيًا للهيمنة والنفوذ ويلعب دورًا هامًا في التوازنات بين القوى الإقليمية المتصارعة.
ولا تقتصر أهمية البحر الأسود على حيويته الاستراتيجية، فبالإضافة إلى ذلك، له أهمية اقتصادية كبيرة إذ أنه يحتوي على كميات هائلة من الغاز الطبيعي، حيث تمتلك رومانيا 200 مليار متر مكعب، وبلغاريا 100 مليار، وتركيا 400 مليار -وهي دول حليفة للولايات المتحدة- وكذلك أوكرانيا التي تملك 2 تريليون متر مكعب، إلا أنه بعد ضم روسيا للقرم سيطرت موسكو على 80% من احتياطي الغاز الأوكراني.
وعلاوةً على ذلك فإن روسيا تعتبر، البحر الأسود من مناطق نفوذها الطبيعية. التي خسرت جزئًا منها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتمدد الناتو بدول شرق أوروبا مثل بلغاريا بولندا وبلغاريا ورومانيا. التي تحولت من معسكر السوفيت إلى المعسكر الغربي، ما طوق روسيا وقوض نفوذها الإقليمي.
لذلك تحاول موسكو تغيير موازين القوى وفرض قواعد جديدة. حيث استخدمت سلاح الطاقة وقطعت إمدادات الغاز عن أوروبا عامي 2006 و2009. واجتاحت جورجيا عام 2008، وأخيرًا ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014. كما تعمل على تدعيم وجودها في الشرق الأوسط عن طريق قاعدتي طرطوس البحرية، وحميميم الجوية بسوريا.
وفي ظل سباق التسلح المحموم وتصاعد الاحتقان بين حلف الناتو والروس. يبقى احتمال وقوع حرب مباشرة مستبعدًا فعلى الرغم من التطورات التي وصفت بـ«الخطيرة وغير المسبوقة». إلا أنّ نشوب مواجهة مسلحة بين الجانبين سيكون له عواقب وخيمة على العالم أجمع. كما قد يشعل صراعات جديدة بالشرق الأوسط. ما يهدد المصالح الاستراتيجية للقوى العالمية وهو ما لا يرغب به أيٌ من الأطراف. إلا أن سيناريو حرب باردة جديدة أو حروب الوكالة هو أقرب الاحتمالات.
نون – القاهرة – محمد النحاس
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية