نون والقلم

محمد يوسف يكتب: السهل الممتنع

جاء الفارق من خلال رؤية اتبعت أسلوب «السهل الممتنع» بعيداً عن العقد، وفلسفة الأنظمة المحبة لإضفاء هالة حولها، فإذا بتلك الهالة تصبح سداً، يفصل القائد الحاكم عن أبناء شعبه، تخفيه خلفها، في برج عاجيّ أو مكان قصيّ، ويكون الوسطاء هم حلقة الاتصال، وفي كثير من الأحيان لا يتحلى الوسيط بالأمانة والنزاهة، ويكون الوصول إليه صعباً، بل شبه مستحيل، فتكثر الدوائر حول الجميع، وتكرس قوانين مكتوبة وغير مكتوبة، عفا عليها الزمان لتسيير أمور البلاد والعباد.

وليسمح لي أنني استخدمت تعبيراً صحفياً في وصف اتجاه دولة ورؤية قيادة، فالأسلوب السهل الممتنع تعلمناه عندما أردنا أن نكتب، قال لنا الأساتذة «لامسوا مشاعر الناس، وناقشوا ما يهمهم. وسهلوا عليهم فهم ما تريدون قوله، واحذروا من الكلمات المتضخمة. مثل تلك التي يستخدمها الفلاسفة وأصحاب التنظيرات، فأولئك يكتبون للنخبة، وأنتم تخاطبون عامة الناس». وقادتنا أداروا البلاد بهذا الأسلوب، وصلوا إلى الناس. وبحثوا معهم شؤونهم، وفتحوا لهم قلوبهم، هم طرقوا الأبواب قبل أن تطرق أبوابهم، وسدوا حاجاتهم، ولم ينتظروا أحداً يشكو إليهم، وتركوا الوسطاء خلفهم. ولم يكن حديثهم منذ أن عرفناهم مبنياً على الوعود. فهم متقدمون على الجميع، لأنهم يخالطونهم، مقرهم، أي قصرهم. أرض الدولة التي أسسوا وضحّوا من أجلها بوقتهم وجهدهم وصحتهم، ليس لهم مكتباً تتكدس فوقه الملفات. مكاتبهم تتحرك معهم، وقضايا البلاد قد تناقش تحت شجرة غاف في الصحراء، أو عند مضمار سباق الهجن. أو خلال زيارة لأحد الرجال الأوفياء، بعد أن أصابه الوهن.

ذلك هو أسلوب الحكم «السهل الممتنع»، القائم على أعراف متوارثة، والذي توازيه دولة نظامية، تسندها تشريعات وقوانين ولوائح، تنظم العلاقات في مجالات الحياة المختلفة، وهي التي أخذتنا إلى عالم الريادة، لأنها ساوت بين الناس، وحفظت الحقوق، وحددت الواجبات، ومنحت الكل حرية الحركة، ضمن الإطار العام للقانون وروحه.

وكان الفارق نتيجة طبيعية لأسلوب متفرد.

ولنا عودة لاحقاً.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى