التقيت خلال الاحتفال بـ عيد الجهاد، مساء السبت الماضي، بعدد من الأصدقاء، والشخصيات السياسية، في تجمع سياسي كبير لم يحدث منذ فترة كبيرة، وكان من نصيبي الجلوس بجوار الأصدقاء الكبار الأساتذة النائب مصطفى بكري والنائب السيد عبدالعال رئيس حزب التجمع، والنائب إيهاب الخولي عضو مجلس النواب السابق، وقادنا الحديث إلى التجول قليلًا في تاريخ الوفد، والنائبة مارجريت عازر عضو مجلس النواب السابق وكان محور الحديث في جزء منه عن الزعيم مصطفى النحاس.
وكان الملاحظ هو أن حب الناس النحاس باشا في قلوب الجميع رغم اختلاف التوجهات السياسية بين الأصدقاء، وكانت حكايات النحاس باشا هي بطل الحوار والحديث! وبدأنا بحكايته مع سعد فخري عبدالنور سكرتير العام الأسبق، والذي حكى أمامي وأمام عدد كبير من الوفديين منذ 25 عامًا تقريبًا حكاية لطيفة عن الزعيم مصطفى النحاس.
في مطلع الستينيات، تم تحديد حركة الزعيم مصطفى النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعيًا.. وكان سعد عبد النور، سكرتير عام الوفد فيما بعد، ونجل القيادي الوفدي البارز فخري عبدالنور لا يرى النحاس إلا كل يوم جمعة في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفي إحدى المرات قال سعد عبد النور للنحاس: يا باشا أنا مسيحي.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرني أدخل جامع الحسين! فرد عليه النحاس مازحًا: جرى إيه يا سعد إنت ما تعرفش إن مولانا الحسين كان وفدي!!
هذه الحكاية الحقيقية هي مفتاح شخصية مصطفى النحاس باشا الذي قضى عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية من خلال الوفد الحزب العريق الذي عشقه مثل روحه مستعينًا بالله.. متمسكًا بثوابته التي لا تختلف عن ثوابت كل المصريين الذين كانوا يعملون نهارًا من أجل لقمة العيش ويناضلون ظهرًا ضد الاحتلال ويزورون أولياء الله الصالحين تبركًا بهم ويمسكون بأيدي إخوانهم المصريين بغض النظر عن دينهم لصناعة عروة وثقى تحميهم من الطغيان والتشتت والانحدار.. كانت هكذا مصر وكان مثلها النحاس.. الذي كانت حياته مثل وفاته.. فقد عاش حياته زعيمًا مناضلًا يقاوم الاحتلال ولا يسعى إلى الحكم.. بل كان الحكم هو الذي يأتي أمامه وتحت قدميه.. ومات- أيضًا- زعيمًا بعد أن خرج الناس من بيوتهم ينحبون ويبكون رحيله.
قال لي المستشار نبيل زكي عياد أحد أحباء الزعيم الشريف طاهر اليد مصطفى النحاس.. إنه قام بإعداد بحث بعنوان «مواقف مضيئة في حياة الزعيم» حول المواقف السياسية والوطنية، وبه توثيق لعدد من القوانين المهمة التي نجح في إصدارها وانحاز فيها للموظف والعامل والفلاح. البحث المختصر عن حياة النحاس يستحق القراءة، وكل محاولة لتوثيق سيرة الزعيم، هي إحياء لمبادئ لن تموت لأن صاحبها دفع ثمنها حريته ومناصبه، وكافح سنوات طوالا من أجل نشرها.. تعالوا نقرأ لقطات مختصرة من بحث المستشار نبيل عياد.
عند قيام ثورة 1919 كان كل من مصطفى النحاس ومكرم عبيد فى بيت الأمة وتأخر الليل فقال لهما سعد زغلول: امكثا عندي تلك الليلة. رد مصطفى النحاس إننا تعاهدنا أن نعيش معًا ونموت معًا.
عندما تم نفى سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وسينوت حنا وعاطف بركات وفتح الله بركات إلى جزيرة سيشل.. مرض مكرم عبيد بالملاريا وقام مصطفى النحاس بالسهر والتمريض عليه.
قام أحمد حسنين باشا كبير الياوران في القصر الملكي بالوقيعة بين مكرم عبيد باشا والنحاس باشا. عبر ادعاءات على زعيم الأمة لا أساس لها من الصحة انتهت بإصدار مكرم للكتاب الأسود، ورغم ذلك لما توفى مكرم عبيد باشا في يونية 1961 حزن عليه مصطفى النحاس باشا وقال إن ضعف بصرى لم يحزنني بقدر وفاة مكرم عبيد.
حدث أيام 1928 أن إدارة البلديات أعلنت عن وظائف انتهت بنجاح أربعين متسابقًا. والمطلوب اختيار السبعة عشر الأوائل من بينهم بالترتيب.. ولسبب غير معروف لم تعلن النتيجة.. فكتب أحد المتسابقين في الصحف يقول إنه منذ شهر تأخرت النتيجة.. فاستدعى النحاس باشا مدير البلديات، فرد وقال له: يا دولة الباشا.. الذين نجحوا فيهم عيب! فقال له النحاس: يعنى دول لم ينجحوا.. إيه العيب؟ فقال مدير البلديات: اتضح أن السبعة عشر الأوائل منهم اثنا عشر قبطيًا فاستشاط النحاس غضبًا.. وقال له كيف تقول هذا؟ أليسوا مصريين وكيف يقال ذلك في عهد وزارة الوفد الذي شعاره الهلال والصليب وأمره أن يرسل الكشف وبه السبعة عشر موظفًا وتم تعيينهم.. لأنه لا فرق بين مسلم وقبطي عند النحاس، وهذا هو قانون الوفد الذي لا يتم تعديله.
أيضًا ما حدث عام 1928 في وزارة الوفد الأولى. أنه كان العرف يجرى بإقامة احتفال سنوي في موسم الحج بميدان الجيش بالعباسية. حيث يسلم أقدم لواء بالجيش المصري المحمل إلى أمير الحج وتصادف أن كان أقدم لواء هو «نجيب باشا مليكة» القبطي.. فلم يجد النحاس باشا غضاضة في تسليمه لأنه لا فرق بين قبطي ومسلم.
النحاس باشا عندما كان رئيسًا للوزراء عام 1950 قام بالاعتذار لضابط شرطة برتبة ملازم. لأنه دفعه بيده بعد أن تم اتهامه بالخطأ أنه يحول بينه وبين الشعب (وزارة الوفد الأخيرة).
رحمة الله على زعيم الأمة مصطفى باشا النحاس وعاش الوفد ضميرًا للأمة.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا