نون والقلم

سامي أبو العز يكتب: ومات نصف قلبي

أحيانا يقف القلم عاجزًا وتتجمد الأحرف على اللسان وتبدو رحلة البحث عن كلمات تعكس ما يجيش في الصدر أشبه بالمهمة المستحيلة.. عندما تتحجر الدموع بين الجفون ويشرد البال في بحر الذكريات باحثًا عن حياة تحولت إلى موت، وأجمل أيام باتت ذكرى تترجمها دموع وابتسامة في آن واحد فلا نجد من كؤوس الصبر إلا لله ما أعطى ولله ما أخذ والله على كل شيء قدير.

فراق الأحبة قدر على أسنة سيف قاتل بأخذ روح الأحبة ويسرق الفرحة ويسدل ستارة قاتمة على حياتنا ويحولها إلى كابوس مستمر لا فرار منه حتى أصيحنا تخشى النوم خوفًا من أن يطبق الصدر بما يحمل من هموم وأحزان.

منذ أيام فارقتني شقيقة الروح وتوأم النفس وقرة العين.. لم تكن أختي فقط وإنما كانت نصفي الآخر الذي لا أستطيع العيش بدونه.. كانت رحمها الله تشعر بي وتهاتفني وبلا مقدمات «طمني عليك ي حبيبي.. أخبارك أيه.. أنا قلقانة عليك»، وكأن الله قد ربط على قلبينا برباط المحبة وما خابت يوما في تكهناتها.

رحلت المحبة صاحبة البسمة التي لا تنقطع، العاشقة للجميع.. المسامحة مالكة أطيب قلب، حاملة هموم الكبير والصغير.. كانت تصغرني في السنوات، لكنها كانت تملك قلبًا يسع العالم كله حبًا ومودة وسعيًا في الخير وصلة الرحم.. وتركت قرة عينيها أمانة في رقبتي إلى يوم الدين.

تليفون آخر الليل كان العادة التي استمرت بيننا لسنوات طويلة حتى وأنا في بلاد الغربة، ولا يطيب جفنينا ولا يهدأ للنوم إلا بعد هذه المكالمة اليومية الثانية، وإن حالت الظروف بيننا يومًا ولم اسمع صوتها وتسمع صوتي، فكان لزامًا عليّ أن أكون مستعداً لعتاب شديد وأن أكون جاهزاً بقائمة اعتذارات مقبولة.

عندما اشتد عليها المرض المفاجئ اسودت الدنيا في عيناي وأرتجف قلبي فأشد ما أخشاه هو فراق الأحبة.. لازمتها في أيامها الأخيرة حتى فارقت روحها النقية إلى خالقها. وجلست بجوارها طوال نهاية الرحلة. أناجي ربي وأدعو لها وأسأله العلي القدير أن يعفو عنها ويصفح.. ومرت الدقائق ساعات وارتجفت الأرض تحت قدماي ونحن على باب المقبرة لأحملها بيدي غير مصدق أن أدفن قطعة مني لترقد خالدة في مثواها الأخير بجوار والدتي عليهما رحمة الله ليغلق القبر أبوابه ومازلت حتى الآن في كابوس وحلم لم ينتهي.

ويبقى أني كل يوم وكلما حان موعدنا تتحرك يداي دون أن أدري إلى تليفوني لأهاتفها ومازال بداخلي أمل أن أسمع على الطرف الآخر صوتها، فمازالت أذناي تحنان وتشغفان لكلماتها.

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون.. نسألكم الفاتحة لروحها الطاهرة ولكل روح غادرتنا إلى أن نلتقي. نسأل الله أن يلهمنا الصبر والسلوان لنكمل الحياة حتى اللقاء بنصف قلب ونصف رغبة في الحياة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى