اقتربت القوي الأقليمية الكبرى في الشرق الأوسط من حافة الهاوية و لعل هذا الاصطدام اقترب بشكل كبير بسبب عدم حل أزمة السد الإثيوبي الذي يهدد حياة شعبي مصر و السودان. واستمرار الحرب الداخلية في إثيوبيا. وأخيرا دخول تركيا أردوغان في هذه الأزمة من خلال مد إثيوبيا بالسلاح و الطائرات المسيرة التركية ودعم آبي أحمد في حربه ضد أقليم التيجراي رغم الضغوط الدولية التي تمارسها أمريكا و الاتحاد الأوروبي علي إثيوبيا لوقف هذه الحرب و التي امتدت لمجموعة أخري من الأقاليم منها الأمهرة و الأورومو و العفر و بني شنقول .
و رغم مرور أكثر من عشر سنوات من المفاوضات بين مصر و السودان من ناحية. وإثيوبيا من ناحية أخري إلا أن آبي أحمد لا يزال مصرا على تنفيذ سياسة الأمر الواقع. واستكمال بناء سد الموت الإثيوبي. و رغم نجاحه في تنفيذ الملء الأول و الثاني إلا أن الوقت لازال متاحا أمام الحل العسكري لمصر و السودان. والمفاوض المصري بذل جهودا كبيرة في توصيل الرسالة للعالم كله بالتعنت الإثيوبي في هذا الملف. وعدم خضوعه أو احترامه لقواعد القانون الدولي. ورفضه تطبيق المعاهدات والمواثيق المبرمة بين الدول الثلاث مصر و السودان و إثيوبيا. مما يجعل من الحلول الدبلوماسية ضربا من المستحيل. و يضع مصر و السودان أمام الحل الأخير وهو ما أظن أنه لن ينتظر طويلا. لأن الوقت بالفعل قد انتهي ولن تستطيع مصر تحمل نتائج ملء السد. و خاصة أن مصر تمتلك القوة الكافية للتخلص من هذا الكابوس الذي وصل لمحطته الأخيرة .
يحاول أردوغان أن يلتف على فشله في اختراق الخط الأحمر – سرت الجفرة – في ليبيا رغم إمتلاكه المسيرات بيرقدار التي سيمد بها إثيوبيا ولأنه كان يعلم أن مصر قد اتخذت القرار بأن لا يتخطي أردوغان و ميلشياته الخط الأحمر و أن ملاقاة الجيش المصري عللا أرض ليبيا بمثابة انتحار عسكري لقواته التركية و الميلشيات التابعة لها خاصة أن مصر تمتلك إحدى أقوي القوات البحرية و الجوية التي ستقطع أي إمداد عن قواته في ليبيا .
وها هو يعود من جديد لمحاولة الضغط على القيادة السياسية المصرية. بالتدخل في النزاع بين مصر و إثيوبيا رغم محاولاته المتكررة خلال الشهور السابقة. لتهدئة الأجواء مع مصر للتعاون في الملف الليبي و تعددت اللقاءات المخابراتية ووزارات الخارجية في البلدين. إلا أن كل من تعامل مع أردوغان تأكد من عدم إلتزامه بما يتم الاتفاق عليه.
و لعل المراقب للسياسات التركية تجاه أمريكا و روسيا يدرك أنه لا يترك فرصة إلا وتلاعب بها بالدولتين. سواء في الملف السوري أو الليبي أو اليوناني القبرصي أو ملف التسلح بالأسلحة الروسية في مجال الدفاع الجوي. ولعل القرار الأخير بطرد سفراء أمريكا و فرنسا و ألمانيا و سبع سفراء دول أخري يوضح أن السياسات التركية في حالة تخبط شديد أو أنها تتجهز للاقتراب أكثر من التحالف الصيني الروسي ضد التحالف الأمريكي الأوروبي.
و هذا الصراع سيؤثر حتما على كل دول الشرق الأوسط بلا استثناء وعلى كل الملفات والصراعات التي تدور داخله. ولكن التدخل التركي في دعم آبي أحمد لن يمر دون ثمن و لعل القمة المصرية اليونانية القبرصية الأخيرة كانت تمثل ضربة اقتصادية موجعة للجانب التركي و سيترتب عليها خسارة كبيرة في قطاع الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط و أظن أن هذه بداية الضربات وليست أخر ما تملك مصر من ملفات تستطيع بها كسر أنف سياسات أردوغان المغرور وتنهي حلمه في التمدد العثماني في أفريقيا .
أما إيران و إسرائيل فمازالت حالة الترقب قائمة لكل تحركات الشرق الأوسط خاصة مع اقتراب حصول إيران على السلاح النووي وهو ما سيفتح باب التسلح النووي في الشرق الأوسط على مصراعيه لأن السعودية و الإمارات لن يستطيعا كبح جماح إيران النووية في التوسع. خاصة أن وجودها في العراق و سوريا و لبنان و اليمن قد أضاف لها الكثير من نقاط القوة. فلا قرار يصدر في العراق إلا برضاها بسبب وجود الميلشيات الشيعية المسلحة. التي تدين بالولاء لها. و كذلك الأمر مع الحوثيين في اليمن و حزب الله الشيعي في لبنان و الذي يعد دولة داخل الدولة و قواتها وميلشياتها في سوريا تحارب للدفاع عن بشار الأسد و الطائفة العلوية.
وعلى ذلك ستسعي كلا من السعودية و الإمارات للتسلح نوويا في أقرب وقت كما أن مصر لن تقف بعيدا عن هذا الملف النووي فما دام الباب قد فتح لدولة فسيسعي الجميع لحماية شعبه ومصالحه بالطبع. وهذا الملف النووي بالتحديد ونتائجه تتابعه كل الدول الكبري بالشرق الأوسط ولا أظن أمريكا و إسرائيل و أوروبا سيكونوا في موقف المتفرج حيال هذا الملف بل أن الجهود العلنية والسرية والعمليات المخابراتية لوقف حصول إيران على السلاح النووي لم تتوقف لحظة واحدة .
و هكذا فالشرق الأوسط يستعد فعليا لتغيير في خرائطه ولكن متى يبدأ التغيير لا أحد يعلم. ولكن الملفات الملتهبة هي من ستقرر لحظة البداية وهي من ستقرر من يستمر. ومن يتفكك ومن يخرج من باب التاريخ و الجغرافيا معا.. ومصر دائما تنتصر .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا