«لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقا الكافر منها شربة ماء».. حديث صحيح رواه الترمذي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وما أدراك ما شربة الماء، وكم تساوي لمن ناله العطش فيقول ادفع كل ما أملك من أجل شربة ماء.. و«جعلنا من الماء كل شيءٍ حي» صدق رب العزة.
ولأن جسم الإنسان يحتوي في معظمه على الماء «من 50 إلى 70%» فقد أصبح أساس الوجود.. ومن الطبيعي أن تكون الحروب القادمة من أجل الماء، كما تنبأ الداهية السياسي الأمريكي كيسنجر.
وكانت هناك رواية صاغتها وحدة المستعربين في الموساد الإسرائيلي وتناقلتها الألسن عن غير فهم بل بلا وعي، وهي أن الجنود عندما صدر لهم قرار الانسحاب غير المدروس، والذي أطاح بمعظم القوى البشرية وكل المعدات العسكرية في سيناء ولم ينجوا منها إلا ما رحم ربي في حرب 1967.. إنهم في أثناء العودة وقد طالهم الظمأ فكانوا يطلبون الماء من البدو فكانوا يعطوهم ذلك في مقابل أخذ سلاحهم.
وهذه الرواية المغرضة كانت بهدف واضح وصريح وهو وضع إسفين بين سكان الوادي وأهل سيناء والثاني تخوين من يسكنون هذه الأرض الطاهرة.. والحقيقة أن سكان سيناء بدو وحضر كان لا ينقصهم السلاح أثناء الحرب، فقد كان ملقى على الطرقات وسيارات الذخيرة تملأ الشوارع وسيارات التموين تملأ المدارس بها كل المواد الغذائية. وبتفكير منطقي وأنت في وسط الصحراء ترى من الأقوى من يحمل السلاح أم من يقتني الماء؟ ألا يستطيع من يحمل السلاح أن يفتك بمن يمنع عنه الماء ويحتفظ بالاثنين.
أقول هذه الكلمات ونحن في شهر الانتصار الذي صنعه رجال أمام خطوط العدو وهم أبطال لأكتوبر وعيون رجال ونساء خلف خطوط العدو من منظمة سيناء العربية التي أسست في أعقاب نكسة 1967، وأن الرئيس السادات وقادة المخابرات وعلى رأسهم اللواء فؤاد نصار قالوا صراحة إنه لولا تعاون أهل سيناء لما تحقق نصر أكتوبر العظيم.. ولكن الرواية سمعناها وانتشرت كالنار في الهشيم، وهذا ما أراده الصهاينة.. ولكن لو وقف كل منا برهة لحسابها بعقله لن يجد أي مبرر منطقي سوى زرع الفتنة لتظل هذه المنطقة في عزلة عن الوطن إلى حين.
ونعود لقطرة الماء.. وثمن الحرمان منها.. ولكن السؤال الآخر كم تدفع لو لم تستطع إخراجها؟ أعتقد أن الدنيا بما فيها قد تهون في هذه اللحظة الحالكة.. فكم أنت ضعيف أيها الإنسان فتقدم كل ما تملك إذا حرمت ونالك الظمأ وجفت العروق.. وتقدمه أيضًا إذا امتنع عن الخروج منك.. وما أكثر ما يحدث ذلك لأسباب طبية خاصة في الرجال. وتراك تنظر إلى العالم كله من ثقب إبرة. إذ يهون كل شيء من أجل أن تتخلص مما شربت.. ترى.. هل فلسفة الحديث الشريف في تفاهة جناح البعوضة عند رب العزة. أم في قوة شربة الماء التي قد تحيي وقد تميت.