لا يمكن الحديث أبدًا عن تطور أو تطوير أو نمو إلا إذا اعتمد هذا التطور والنمو على قاعدة صناعية مصرية قوية، ترفع معدلات القيمة المضافة، وتزيد من نسبة المكون المحلي في كل المنتجات وترتقي حتى نصل إلى مرحلة المنتج المصري الموثوق به، والذي يمكن تصديره لينافس في الأسواق العالمية.
إلا أن المعوقات والمشاكل التي تواجه الصناعة المصرية تعددت وتزايدت، حتى أوشك الكثير منهم يصرخ لإنقاذه ويبذل جهودًا كبيرة كي لا يغلق أبواب مصانعه. ولعل أول هذه المشكلات ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والماء بشكل تجاوز الاحتمال. وهذه العناصر الثلاثة لاغني لأي صناعة عنهم وبعض هذه الصناعات يعتمد بشكل مكثف على استخدام الكهرباء وبعضها على الغاز وبعضها على الماء. ولكنهم جميعا يعتمدون على هذه العناصر الثلاثة، وبالطبع يتم إضافة هذه الفواتير على سعر المنتج الذي يتحمله المواطن المستهلك في نهاية الأمر. ولكن ارتفاع سعر المنتجات يشكل عقبة كبيرة عند بيع المنتجات وبعض هذه المنتجات تراجع توزيعها بالفعل؛ بسبب رفع سعر بيع المنتجات أو التحايل على رفع الأسعار من خلال تخفيض وزن وكمية المنتجات.
العقبات الأخرى التي تواجه الصناعة المصرية تكلفة الكارتات على الطرق، والتي أصبحت رقمًا كبيرًا في تكلفة المنتجات، قد تصل إلى أكثر من عشرة بالمائة من تكلفة المنتج، وهو البند الذي يرفع تكلفة النقل عمومًا على مستوى النقل سواءً للخامات أو للمنتجات الوسيطة أو للمنتجات التامة. كما أن تكلفة النقل نفسها أصبحت عبئًا لا يطاق بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار والزيوت وتكلفة الحرفيين وصيانة السيارات. وهو ما يرفع فاتورة أعباء المصانع إلى أرقام قد تعجز تلك المصانع عن مسايرتها. وكنت أتمني أن مليارات قطار المونورويل الثلاثمائة وستين مليار جنيه تكون دعمًا للصناعة المصرية كلها. فهذا المبلغ كان يكفي تمامًا لدفع الصناعة المصرية، إلى أن تكون الصناعة الأولى على مستوى الشرق الأوسط؛ لما تملكه مصر من خبرات وإمكانات صناعية كبيرة تحتاج إلى الدعم وإلى تخطي العقبات والتحديات وخصوصًا أن هناك أسواق تستطيع بالفعل التواجد فيها بالمنتجات المصرية وخصوصًا الأسواق الأفريقية والغربية.
إن الارتفاع الكبير لأسعار الحديد والأسمنت نموذج واحد من ضمن النماذج التي يجب مناقشتها ومناقشة بنود التكلفة فيها، التي تسببت في الوصول بالأسعار لهذه الأرقام القياسية التي يتحملها قطاع البناء والتشييد، والذي يعد قاطرة حقيقية لأكثر من مائة مهنة. والصناعة المصرية في هذين المنتجين صناعة رائدة وقوية. ولا ننسى أبدًا الصناعات الغذائية التي تدعم بدورها الاقتصاد المصري والزراعة المصرية، والتي يجب على الحكومة أن تدرس ما تواجهه من عقبات وصعوبات؛ لأنها الآن تحتاج أن نمد يدنا إليها لمساعدتها في أزمتها والنهوض بها فهل من يجيبنا، ويبدأ مساعدة الصناعة المصرية والاستماع للخبراء وأصحاب المصانع ووضع خريطة التحرك. ولعل البنوك المصرية تستطيع تقديم الحلول المالية للصناعات، ولكن من خلال تقديم الدعم المالي الأمن الذي لا خطر له على الودائع، ولا يمثل عبئًا جديدًا على هذه الصناعات التي لا تستطيع تحمل أعباء جديدة.