في عام 2002 شاركت في معرض جيتكس بـدبي بمجموعة من البرامج إنتاج شركتي الصغيرة، والتي كان منها برامج تسهم في تطوير المصانع والصناعات المصرية والعربية بشكل عام.
وكنت أتبني مجموعة من طلبة الجامعة عندي في الشركة، وأعمل علي إكسابهم مهارات البرمجة على البرامج، والتطبيقات بشكل عملي في أماكن العمل بها، وكان منهم اثنان من العباقرة فكرًا وعملًا؛ أحدهم كان مشروعه في الكلية برنامج مصري عربي للتواصل الإجتماعي ولم يكن هناك الفيسبوك ولا غيره إلا بدايات لهذه البرامج، ومنها برنامج إسرائيلي ذو واجهة جذابة، وكانت أجهزة بعض الوزارات تستخدمه دون علم منها أنه صناعة إسرائيلية، وأن أجهزة السيرفر التي تبث هذه البرامج موجودة في تل أبيب.
كنت أرى أن انتشار هذه البرامج علي أجهزتنا في المنازل وكانت قليلة وفي الوزارات. وكانت نادرة هي خطر عظيم؛ لأن الاعتماد علي الأجهزة و نظم المعلومات يزداد يومًا عن يوم شئنا أم أبينا. وحاولت في هذا التوقيت أن أوضح مدى أهمية وجود برنامج تواصل اجتماعي مصري ترعاه الدولة. ولكن الدولة في هذا الوقت. وكانت قد استحدثت وزارة التكنولوجيا ونظم المعلومات منذ عامين أو ثلاثة كانت مشغولة في عقد صفقات لتوريد الأجهزة و البرامج الأمريكية فقط لا غير.
وكانت أعمال الوزارة تذهب لمجموعة محددة من الشركات هي فروع للشركات الأمريكية في مصر، وكانت هناك مجهودات للشركات المصرية في هذا التوقيت كانت تعمل قبل إنشاء هذه الوزارة باستثمارات مصرية خالصة. وبها مئات من المهندسين العاملين بالبرامج التطبيقات المالية والتجارية والتعليمية والصناعية. فقضت تلك الوزارة على كل هذه الشركات. وسحبت مهندسيها منها للعمل بشركات جديدة تم إنشاؤها من خلال عرض مرتبات أكبر بكثير مما نستطيع دفعه، وكانت تلك الشركات الجديدة لها علاقات مباشرة مع الوزير، ويتم إسناد مشروعات التطوير كاملة لتلك الشركات وعمل مناقصات وهمية علي الورق تكون نتيجتها أن يحصل كل منهم على عدد كبير من تلك المشروعات التي كانت مكاسبها بمئات الملايين. وهذه الصناعة في هذا الوقت لا يعلم أسرارها إلا أقل القليل ممن يعملون في هذا المجال. وكان الوزير نفسه يمتلك شركة قطاع خاص توسع فيها لأبعد مدى.
وبناءً على هذا المخطط انتهت شركاتنا وخسرنا كل الاستثمارات التي وضعت في هذه البرامج، ودفنت هذه البرامج والشركات معًا، وأصبحنا مستوردين فقط لكل الأجهزة والبرامج الأمريكية والأوروبية. وانتهى حلم برنامج مصري عربي للتواصل الاجتماعي الذي كان مشروعًا حقيقيًا لأحد طلبة جامعة القاهرة اسمه نادر، وأتذكر أنه التحق بالعمل في شركة صخر الكويتية، التي كانت لها محاولة عربية حقيقية وجادة باستثمارات كبيرة في مجال صناعة البرمجيات العالمية والأجهزة. واستعانت بأبنائنا الذين كانت لديهم خبرات واسعة بالبرمجيات من خلال شركاتنا التي تم تصفيتها. ولم يتم دعمها بأي شكل يذكر من الدولة في هذا الوقت. وأعتقد أن شركة صخر تعرضت لضغوط من شركات عالمية منها مايكروسوفت نفسها للقضاء على هذه التجربة العربية الجادة لصناعة برمجيات عربية خالصة.
الآن وبعد عشرين عامًا من هذه التجربة تأكدت أنني كنت على الطريق الصحيح. وأن هذه البرامج هي من صميم الأمن القومي ولا غنى لنا عنها كجزء أساسي من أمننا القومي. ولو كان هناك من سمعنا وبدأ فيها منذ عشرين عامًا لكان لمصر شأنٌ آخر في مجالات التكنولوجيا ونظم المعلومات.
فكل أسرارنا وكل ما نكتبه ومناسباتنا و أفراحنا وصورنا موجودة بالكامل على أجهزة أعداءنا يتابعوننا من خلالها لحظة بلحظة. ويدرسون ما طرأ علينا من سلوكيات. ويعلمون ما نحب وما نكره. ويزرعون لنا ولأبنائنا ما يشاءون من سلوكيات تدمر شبابنا ومستقبل أمتنا. ولديهم نسخ كاملة من معاملات شركاتنا؛ لأن كل من هو متصل بالإنترنت سواء كان جهاز كمبيوتر. أو محمول هو كتاب مفتوح لهم بكل ما عليه من بيانات. ولو أراد في لحظة أن يغلق عليك هذه الأجهزة لفعلها؛ لأنه يمتلك هذه البرامج التي تصل الأجهزة ببعضها البعض. ولعل حادثة تعطل برامج الواتس والفيسبوك لساعات قليلة تكون جرس إنذار لنا لنصحح الأخطاء التي وقعنا فيها منذ سنوات طويلة. وما زلنا لم نتخذ القرار للخروج منها ولا يزال لدينا حلم أن يكون لدينا فيسبوك مصري فهل سنبدأ!