يخطىء البعض إذا تصور أن العمل في السياسة يتطلب التخلي عن مكارم الأخلاق.. هذا تصور خاطىء يطرحه ويردده من لا يملكون أدوات العمل السياسي السليم، ويردده من يتكسبون من ممارسة العمل السياسي، وهم «قلة» عملهم في السياسة مؤقت.. لأن السياسة.. يبقى في العمل بها من يلتزمون بأخلاقيات المجتمع، وأصول وأسس الخلاف مع من يخالفهم الرأى أو الإتجاه، أما عديمي الأخلاق فمن الصعب أن نطلق عليهم لقب «سياسي».
في عام 1990 تم انتخابي رئيساً للجنة طلاب حزب الوفد بجامعة القاهرة، وكان لحزب الوفد في الجامعة مجموعة قوية من الطلبة الممارسين للعمل السياسي، وعقب إعلان النتيجة طلب مني الدكتور محمود أباظة رئيس اللجنة النوعية للشباب في ذلك الوقت، ورئيس حزب الوفد فيما بعد، أن نلتقي سوياً على انفراد.
والتقينا بالفعل في منزله، ولم أكن أعرف السبب في هذا الطلب، ولم أتوقعه. لأن خبرتي كانت محدودة وسني صغير لم يتجاوز 21 عاماً، حتى تكلم محمود أباظة، وقال لي.. «شوف.. أنت النهاردة مسئول عن مجموعة، وهذه المجموعة من صغار السن، وهذا يتطلب أن تتمتع بثقتهم وحبهم واحترامهم حتى تتمكن من قياداتهم». وظل يردد بعض النصائح، حتى قال لي جملة لن أنساها.. قال«أوعى تفقد أخلاقك وأنت تعمل بالسياسة.. فلا مكسب سياسي مع فقدان الأخلاق وأضاف «لا يجب أن يفقد السياسي الحد الأدنى من الأخلاق».. قلت له «إبراهيم باشا فرج سكرتير عام الوفد قاللى كلام مشابه فى لقاءاتى معه» قال محمود أباظة «طبعاً.. أحنا تلاميذ إبراهيم باشا..وفؤاد باشا ومن مدرسة واحدة».
إذن.. ممارسة العمل السياسي فيها مدارس مختلفة، هناك مدرسة تقول أنك تستطيع الوصول لهدفك بالأكاذيب والسباب والشتائم وقلة الأدب، وهي مدرسة قصيرة العمر، لأن المجتمع يرفض هذا النموذج عادة، والتنظيم السياسي أو الحزب هو جزء من هذا المجتمع وانعكاس له ولأخلاقياته، ولذلك يجد هذا النموذج رفضاً مجتمعياً وأيضاً رفضاً تنظيمياً، ويحاول أصحاب هذه المدرسة، أحياناً، التخفي وراء «كيبورد» الكمبيوتر، أو المحمول، لكتابة شتائم واضحة، ضد خصومهم، أو يظهرون بوجوههم لكتابة شتائم خفية وتلميحات وقحة، على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقولون أنهم لايقصدون فلان أو علان، وأن المقصود يفهم أنه المراد بالبوست أو المقال، وهي طريقة وأسلوب يجعل الناس أكثر رفضاً لهذه الشخصيات التى تعيش عل شتم الناس ولا تتقدم إلا بسبهم، ولكنه تقدم مؤقت لا يمكن أن يستمر وإلا أصبحت الحياة غابة يتمكن منها عديمي الأخلاق!
أما أخطر الآفات التي دخلت منظومة العمل السياسي. هم هؤلاء الذين يتكسبون المال عبر سب الناس وشتمهم. وهؤلاء يأكلون في بطونهم ناراً، تحرق دمائهم السوداء. فلا يوجد أسوأ من مهنة «الشتام بالأجر» الذي يتم استدعاؤه للهجوم على الخصوم بأجر مؤقت أو دائم. فهي مهنة لا تقل دناءة عن تجارة المخدرات، وتوزيعها، فكلاهما هدفهما التغييب وصناعة الكذب. فالمخدر يصنع حياة كاذبة للمتعاطي، والسباب الشتام يسعى لصنع واقع كاذب لمن يسمعه.
السياسي.. يجب أن يحتفظ بأخلاقياته حتى يعيش في مجال العمل العام لأطول فترة ممكنة. أما هؤلاء الشتامون الذين لايعرفون إلا السب، ويطلقون على أنفسهم لقب «سياسي» يجب أن يعرفوا أنهم مجرد أدوات تعمل بالأجر لمن يدفع أكثر، والأجر هنا لن يصبح جاراً وسنداً لهم، لأن حقنهم بالمال لن يدوم طويلاً!!!
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا