يسردُ لنا هوميروس في الإلياذة أحد أعمق الأساطير الإغريقية دَلَّالَاهُ؛ وهي أخيل Achilles تلك الأسطورة التي تتحدث عن ذلك الكعب القاتل الذي أصبح مصطلحاً متداولاً عن نقطة الضعف.
هذا المصطلح الذي اكتسب دلالات سياسية واسعة بعدما استخدمه كارل ماركس. في كتابه ذائع الصيت «الثامن عشر من برومير- لويس بونابرت».
وانسحاباً على منطقة القرن الأفريقي؛ فهي تمثل أهمية استراتيجية كبيرة عسكرياً، تجارياً، ونفطياً لمصر، إذ تعد العمق الإستراتيجي لمصر وتتصل بشكل مباشر بحماية وتأمين حركة الملاحة العالمية التجارية والنفطية من وإلى قناة السويس، وكذلك حماية وتأمين مضيق تيران في خليج العقبة، كما أن منطقة القرن الأفريقي تؤثر بشكل مباشر في حركة التجارة العالمية كونها تتحكم في حركة الملاحة العالمية من الشرق والغرب عبر مضيق باب المندب، بما يعني أنها تشرف على أحد أهم الممرات الملاحية البحرية، العسكرية، والتجارية في العالم.
لذا تكتسب منطقة القرن الأفريقي من خلال المحددات السابقة أهمية خاصة للدول الكبرى، ولدول الإقليم وعلى رأسها مصر، سواء كان الحديث عن القرن الأفريقي في سياقه الجيوسياسي الضيق الذي يضم كل من: الصومال، جيبوتي، وإريتريا. أو بمعناه الواسع الذي يشمل كل من: إثيوبيا، كينيا، والسودان، وأوغندا.
ولما كانت الصومال أهم دول منطقة القرن الأفريقي من حيث الأهمية الإستراتيجية والأمنية. غير أنها في الوقت ذاته أكثرها ضعفاً وخطورة. إذ تمثل الصومال فشلاً واضحاً لنماذج بناء الدولة المفروضة خارجياً دون مراعاة للطبيعة الاثنية والهوية الوطنية لمكونات الدولة الصومالية. لذلك لا تزال الصومال تُجسد أبرز معايير ومؤشرات الدولة الهشة الضعيفة داخلياً وخارجياً
سياسياً؛ وعلي الرغم من التداول السلمي للسلطة على مستوى الرئاسة والبرلمان في الصومال عبر الانتخابات، إلا أن ذلك لم ينعكس بِتَطَوُّرَات ملحوظة على مستوى عملية التحول الديمقراطي في مفهومها الشامل؛ فلم يتم استكمال الدستور الفيدرالي في شكله النهائي، كذلك فشلت في إجراء كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولايزال الخلاف متصاعداً بين الرئيس المنتهية ولايته ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي في فصل جديد من التوتر بين الرجلين.
وخارجياً؛ تعد الصومال ساحة تفاعل واسعة للقوى الإقليمية والدولية؛ فهناك حضور قوي وفاعل لكل من قطر، الصين، تركيا، وإثيوبيا. والأخيرتين فاعلتين بِشَكْل واضح في مجالات الأمن والنقل البحري والجوي، كما أن حكومة الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو تدعم الموقف الإثيوبي بِشَكْل واضح ومعلن فيما يتعلق بقضية سد النهضة.
وعلي مستوى الحلفاء تتواجد كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات في إطار تأمين خليج عدن وتأمين مسار التجارة إلى منطقة الخليج العربي.
وأمنياً؛ لا يزال هناك تعثر واضح فيما يتعلق بتأسيس قوى أمنية (جيش – شرطة) وطنية فاعلة. حيث لا يزال أمراء الحرب يتحكمون في مناطق عدة بالصومال. إذ يُعزز كل من حركة الشباب المتطرفة وتنظيم داعش الإرهابي – الذي عمل على توسيع نفوذه في الصومال منذ عام 2015. حيث أكثر من 250 داعشياً موجودون في إقليم بونتلاند منذ 2017 – وجودهما في الصومال بعدما بدأت قوات حفظ السلام الإفريقية. انسحابها على مراحل- حيث انتهت مهامها داخل الأراضي الصومالية. العام الماضي 2020- لتنتقل مهام حفظ الأمن لقوات الجيش والشرطة الصومالية. والتي تثار شكوك قوية حول قدرتها على بسط وضبط الأمن على كافة الأراضي والولايات الخاضعة للحكومة الاتحادية. مرجع تلك الشكوك قلة عددها وضعف تدريبها وتعدد ولاءاتها القبلية. وتراجع روحها المعنوية نتيجة تأخر صرف رواتب أفرادها لعدة شهور مما اضطر بعضهم لبيع أسلحتهم والانضمام لخصومهم. فضلاً عن مقتل الكثيرين منهم في عمليات إرهابية وصراعات قبلية بين الولايات الصومالية.
كل هذه المحددات ساهمت في احتلال الصومال للمركزين الأول والثاني منذ عام 2008. وحتى عام 2020 في مؤشر الدول الهشة على النحو الذي يجعل منها كعب أخيل القاتل في منطقة القرن الأفريقي. والقابل للانفجار في أي وقت في ظل تراجع المؤسسات الأمنية والحكومة الفيدرالية عن الوفاء بالتزاماتها. بما يهدد المصالح الحيوية والإستراتيجية المصرية في إقليم القرن الأفريقي.
وحسناً فعلت الإدارة المصرية من التفاعل المباشر مع التحديات الراهنة في القرن الأفريقي عامة والصومال خاصة، من خلال التمركز العسكري في إحدى جزر باب المندب، كما تم الإعلان عن إنشاء قيادة الأسطول الجنوبي مطلع عام 2017، وكذلك الإعلان عن إنشاء قاعدة بحرية في منطقة حلايب، إلى جانب تدعيم العلاقات الثنائية المباشرة مع دول القرن الأفريقي المؤثرة مثل إريتريا، وكذلك زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدولة جيبوتي، في 27 مايو 2021، وهى الأولى من نوعها لرئيس مصري منذ عام 1977، وذلك في رسالة واضحة لجميع القوى الفاعلة في الإقليم على قدرة القاهرة على حماية مصالحها الإستراتيجية، وكل ما يهدد أمنها القومي.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا