مات المشير محمد حسين طنطاوي، تاركًا وراءه تاريخًا مشرفًا ستظل تسرده كل الأجيال.. كان مقاتلًا قويًا وإداريًا حكيمًا.. يصلح للقتال وقت الحرب، ويتقدم الصفوف لإدارة البلاد وقت الأزمات.
جميعنا يتذكر موقفه عقب ثورة 25 يناير 2011 عندما تمكن من قيادة المرحلة بكل حكمة وقوة وحزم، وهي فترة زمنية سوف يحسب للمشير طنطاوي قدرته على إدارتها عندما تولت القوات المسلحة إدارة شئون البلاد، لتحمى المؤسسة العسكرية، وقائدها في ذلك الوقت، البلاد من مصير مُظلم وقعت فيه بلدان أخرى.
ولكن الكثيرين من الأجيال الجديد لا يعرفون شيئًا عن المقاتل المحارب القوي محمد حسين طنطاوي، أحد أبطال حرب أكتوبر البارزين، والذي توجد له مواقف مشرفة خلال الحرب المجيدة.. فقد كان طنطاوي لا يهاب الموت وكان يقاتل العدو. مثل باقي أبطال أكتوبر، بروح المواطن العاشق لتراب بلده الباحث عن تحريره من أيدي مغتصبيه.
من ضمن حكايات المقاتل محمد حسين طنطاوي، المشرفة. ما نشرته «المصري اليوم» يوم 9 أكتوبر 2014 حول حرب أكتوبر. وما حدث في ثغرة الدفرسوار، على لسان أحد جنود أكتوبر.. تعالوا نقرأ الحكاية لنعرف قيمة المقاتل محمد حسين طنطاوي.
كانت الكتيبة 16 في منتصف أغسطس عام 1967 في طريقها إلى موقعها بالقصاصين في مدينة الإسماعيلية على خط النيران. بعد أن قضت 45 يومًا من التدريب في أسيوط، كان أحمد محمود يعقوب آنذاك أحد جنود الكتيبة. التي تم حصارها في ثغرة الدفرسوار.
يقول يعقوب: كان المشير محمد حسين طنطاوي قائدًا للكتيبة 16 أثناء العبور. وفي اليوم الثاني للثغرة، جاء الأمر للواء بالانسحاب، لأن اللواء 23 ميكانيكي سيحل محلنا. وكان طنطاوي وقتها برتبة مقدم. وأذكر أنه رفض أن يترك جنديا أو سلاحا أو مركبة من مركباته أثناء الانسحاب. وحينما سقط أحد الضباط المسئولين عن قذائف «آر. بي. جي» حمل السلاح بدلًا منه. وبدأ يطلق القذائف على دبابات العدو حتى يغطي انسحاب الكتيبة أمام 900 دبابة. وانسحبت قواتنا، وعاد المقدم «طنطاوي» ليسأل عن الضابط الشهيد، وحينما علم باستشهاده أجاب: «الله يرحمه شهيد وبطل وعاش ومات راجل».
يكمل يعقوب: أثناء وجود قواتنا في الثغرة، كان الطيران الإسرائيلي يلقى قذائفه علينا، وكان المقدم طنطاوي مازال يحمل «آر. بي. جي»، نظرت إليه في إحدى اللحظات وذهلت حين وجدت وجهه مليئا بالدماء، وقد أصابه لهيب شظايا العدو بحروق في وجهه، حتى إن «شعره احترق وعينيه بلا رموش أو حواجب».
يستطرد يعقوب: «وبعد المعركة ظل المقدم طنطاوي يسأل على أحد الجنود، ويدعى (رضوان)، وكان من قواتنا، وأصيب بطلق نافذ من الصدر إلى الظهر، وسأل عليه باللغة النوبية التي نقول عنها (الرطان)، حيث قال: (رضوان مينا واهي)، أي (رضوان عامل إيه؟)، وحينها علمت أن المشير (نوبي)، وأذكر أنه كان دائم السؤال على كل الجنود والضباط المصابين».
في أحد اللقاءات التليفزيونية عرف المشير طنطاوي نفسه، قائلًا: «العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوي قائد الكتيبة 16 مشاة في حرب أكتوبر».. وقامت صحيفة «الأهرام» بنشر اللقاء التليفزيوني كاملًا وقالت إن ذكاء وتخطيط طنطاوي خلال الحرب تجلى عندما هاجمته مدرعات العدو.. عندها لم يكشف الرجل أوراقه، وقرر التحلى بالصبر، وكتم أنفاسه حتى آخر لحظة وحبس نيران مدفعيته لحين معاينة وتقدير القوة المعادية على الطبيعة، وفي اللحظة المناسبة انطلقت نيران أسلحته وقذائف مدفعيته.. انطلق رجال كتيبته على مدرعات ومجنزرات العدو، فجعلوها أثرًا بعد عين، وقد فشل هجوم العدو في الوصول للقناة، وأخذ يبحث عن مكان آخر بعيدًا عن رجال الفرقة 16 مشاة التي كان يقودها العميد عبدرب النبي حافظ والكتيبة 16 مشاة التي كان يقودها المقدم محمد حسين طنطاوي.
أما فرقتا شارون وآدن اللتان قامتا بالمجهود الرئيسي في إحداث الثغرة ففقدتا أكثر من 500 جندي إسرائيلي، بالإضافة إلى قتل ضباط الصفين الأول والثاني من قادة الألوية والسرايا، وهو ما اعترف به قادة إسرائيل فيما بعد، مؤكدين أن شراسة معارك الثغرة لم تحدث في تاريخ الحروب بعد تلاحم المدرعات المصرية والإسرائيلية، وحرق المئات من العربات المدرعة والمجنزرات.
ويختتم طنطاوي حديثه عن حكايات أبطال أفراد الكتيبة بقوله: «كل همي أن أنا مرجعش ولا فرد من الأفراد اللي جم الموقع حى، تلك هي معركة من المعارك التي خاضتها الكتيبة منذ العبور حتى إيقاف إطلاق النار، يكفينا فخرًا أن الكتيبة لم تتكلف في العبور إلا شهيدا واحدا وهو عادل بصاروف».
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا