تعاملت الولايات المتحدة مع فرنسا وكأنها تتعامل مع أصغر وأضعف دولة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لم تردعها الأحكام التي تربط الحلفاء ببعضهم، ولم تلزمها شروط الناتو، ولم تلتفت إلى العلاقات الوثيقة بينها وبين فرنسا.
وفرنسا في الجانب الأوسط من العالم تعتبر نفسها قوة عالمية ذات وزن كبير. فهي الدولة الاستعمارية التي تساوت مع بريطانيا فاقتسمتا العالم ذات يوم. وهي دولة نووية لاتزال ذات تأثير كبير على مستعمراتها السابقة، ثم هي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبين يديها «الفيتو»، مثلها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين، وتستطيع أن تتلاعب به لتكسر كلمة الذين يستهترون بها ويتعدون على حقوقها وتعاقداتها، وهي، أي فرنسا، دولة لها مكانتها في عالم تصنيع السلاح وتصديره، وهو سلاح أثبت جدارته في الحروب والأزمات العالمية، ابتداء من الطائرات وانتهاء بشبكات الدفاع الجوي المتميزة، وبين الاثنين المدفعية والصواريخ والسفن المتضمنة حاملات وغواصات، فوقها المدرعات والدبابات، وحتى الأسلحة الخفيفة، وأخيراً هي دولة نووية.
وفرنسا في الجانب السياسي تقود الاتحاد الأوروبي، لوزنها وثقلها. وعقيدتها المترسخة لدى قادتها منذ عهد ديغول بأن أوروبا المتوحدة أكثر أماناً واستقراراً من أوروبا المتفرقة، والأوروبيون متأقلمون مع الريادة الفرنسية.
وفي الجانب الاقتصادي لا يمكن أن يستهان بالقوة الفرنسية، التي لن تكسرها صفقة الغواصات الأسترالية. فهي تملك من الإمكانيات ما يداوي الجرح الذي أحدثته الولايات المتحدة، ولديها القدرة على تدارك تداعيات التراجع الأسترالي، ولكنها لم تسكت عن حقها، ليس في المال فقط، بل في الوفاء بالالتزامات الدولية وعهود الحلفاء التي تحطمت في دهاليز التآمر السياسي السري، والذي بلغ درجة الخيانة كما قال بعض المسؤولين الفرنسيين.
فرنسا خسرت الصفقة، ولكنها كسبت احترام العالم، والولايات المتحدة كسبت الصفقة، وزادت من تخوف حلفائها حول العالم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا