أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي تتضمن المحاور الرئيسية للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان في الدولة، بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030. ومنذ تولي الرئيس السيسي مسئولية حكم مصر.
وهناك مزايدات دائمة حول ملف حقوق الإنسان في مصر. غير أن الرئيس دائمًا وأبدًا وبــجلاءٍ واضح عبر عن أولويات مصر في هذا الملف. بقوله «إننا أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل شعبها في ظروف في منتهى القسوة وشديدة الاضطراب». ليس هذا فقط؛ بل جسد ذلك في عديد المبادرات الرئاسية وعلى رأسها مبادرة «حياة كريمة» التي شملت محاور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تغطي العديد من الحقوق: مثل الحق في السكن، الصحة، العمل، التعليم، والحق في المياه، وغيرها من الحقوق التي نص عليها أيضاً الدستور المصري في الباب الثالث منه والخاص بالحقوق والحريات والواجبات العامة. حيث طبقت دولة 30 يونيو حقوق الإنسان بمفهومها الشامل. واقتحمت مجالات لم تكن ضمن بنود أجندة الحريات المزعومة أو التي يمكن وصفها بالمشبوهة.
ويمكن الزعم أن الرؤية المصرية لإشكالية الديمقراطية ما بعد يناير 2011 ثم يونيو 2013 ترتكز إلى أن الحقوق الاجتماعية لها الأولوية ثم تأتي الحقوق السياسية في معالجة لاضطراب ما بعد يناير 2011، وهو ما أكد عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يعتقد أن الديمقراطيات تصبح سيئة ولا يمكن الارتكان إليها عندما تعيد إنتاج الفقر. ودلل بذلك بكثير من النماذج لحالات الغضب الشعبي على الديمقراطيات في أمريكا اللاتينية. حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن المواطنين الأكثر فقرًا هم الأقل نزوعا لتبني الديمقراطية – وليس معنى ذلك أننا ندعو لنظام غير ديمقراطي – لكن أية سياسة وأي ديمقراطية نريدها في مصر؟؟
هل هي سياسة ما بعد يناير 2011، حيث هيمن على الفضاء العام نخبة تبنت المعارضة كنمط وحيد للفعل السياسي. وأن منتهى العمل السياسي في مصر هو الخروج إلى الشوارع للاحتجاج على كل صغيرة وكبيرة. فاندلعت التظاهرات الفئوية في كل المؤسسات تقريبًا تحاصر الحكومة نتج عنها تعطل حركة الإنتاج ومسيرة العمل.
الآن وبعد استقرار دعائم الدولة الدستورية والتشريعية، وانتخاب البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ؛ يبقى اللوم واقعًا على الأحزاب السياسية. التى عليها أن تفتح أبوابها وتُفعل قواعد عضويتها وٌتنقح برامجها، وتعمل على صياغة سياسات واضحة. وتتبنى خطًا سياسيًا واضحًا – حتى لو معارضًا لبعض السياسات العامة والحكومية – فالدولة الآن وعبر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تفتح الباب أمام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لممارسة العمل السياسي حتى المعارض منه بطريقة تتماشى مع القانون والأعراف المؤسسية وتكريسها في إطار بنية سياسية ديمقراطية. حيث مؤسسية العمل السياسي في إطار الأحزاب والتنظيمات السياسية الرسمية ليست بدعة، بل ضرورة وطنية. والعقد الاجتماعي ليس غايته الوقوف ضد الدولة. بل حمايتها بما في ذلك من الذين يعلُون مصالحهم الخاصة ومصالح تنظيماتهم المحظورة على مصلحة الوطن.
وبرلمانيًا؛ فالبرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ مدعو عبر لجانه النوعية المختلفة إلى صياغة وسن تشريعات جيدة. تعمل على تفعيل محاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بشكلً فعلي. وكما هو الحال في الديمقراطيات المتقدمة، فمن المرجو أن يعتمد البرلمان أسلوب الجلسات العامة (Public Hearings). إذ تهدف هذه الجلسات إلى إتاحة الفرصة للنواب للاستماع الى آراء المواطنين والخبراء بخصوص قضايا السياسة العامة وذلك من أجل ترويج والتعبير عن برامج العمل الخاصة بها. وهو ما يساهم في التعرف على آراء الجمهور بخصوص القضايا التشريعية من جانب. ويعمل على اتساع نطاق المشاركة السياسية في إطار مؤسسي من جانب أخر على النحو الذي يجعل من تلك التشريعات معبرة بحق لواقع الحياة في مصر.
وانتهاءً؛ «ليس بالسياسة وحدها يحيا الإنسان».