أفغانستان في محنة، شعبها يعاني الأمرين، خوف وجوع ونقص في الدواء ومهجرون ونازحون يطلبون الأمان، وعالم يضع شروطاً وينتظر نتائج ليدرس الأوضاع، ويطلقون وعوداً جوفاء!
هي حالة إنسانية، بعيداً عن السياسة، ودون التفات إلى من فاز ومن انهزم ومن يجلس في بيت الحكم. الجوع والتشريد شيء آخر، والحاجة تتقدم على كل شيء، على المواقف والقناعات والقبول والرفض. ولا تسأل عن حجم الحب أو الكره. ومن ينوي مد يد العون لا ينتظر موت الأطفال حتى يتحرك. ولا يتبع تعليمات لأمم متحدة غائبة، أو الغرب إذا دفع درهماً يجب أن يسترجعه دراهم ومنافع أخرى.
مطار كابول كان مغلقاً، كل الأنباء تشير إلى ذلك، ومعطلاً من الناحية الفنية، وفرق من الخبراء والفنيين ذهبت لتصلح الخلل، والحركة متوقفة بخلاف بعض الرحلات الداخلية، والذين يرغبون في الرحيل مكدسون داخل المطار وحوله، ولكن طائرة إماراتية تحط في المطار، بعد أن طلبت الإذن بالهبوط، فاتسع لها المدرج، وظن قادة طالبان أن وفداً رسمياً جاء حاملاً رسالة أو مفاوضاً، وأعلنوا ذلك، فإذا بالطائرة تفتح أبوابها، وتخرج منها أطنان من المواد الغذائية والأدوية والاحتياجات الضرورية.
تلك هي الرسالة، من قيادة دولة الإمارات وشعبها، نقلت في هدوء تام، ولم يعلن عنها قبل الإرسال أو أثناء الشحن، ولم يستغلها أحد في الدعاية، قادتنا ليسوا بحاجة إلى حملة الطبول والمزامير، هم يفعلون الخير ولا يطلبون الثناء والشكر من الآخرين، لأنهم يستهدفون أطفالاً ونساء وعجزة ومرضى، يخففون عنهم مصابهم، ولا يخلطون، لا يربطون العمل الإغاثي الإنساني بالمواقف السياسية، فهذا شأن وذاك شأن آخر، للسياسة قنواتها، وللمساعدات مجاريها، ولم تنته الرسالة، وتتالت الطائرات العسكرية العملاقة على مطار كابول، ووصلت حتى يوم أمس إلى خمس رحلات، أفرغت حمولتها ووصلت إلى أصحابها، وقرأ الجميع تفاصيلها.
إنها عادة أهل الشيم، من يسارعون في غوث المحتاجين، قبل أن ينطقوا ويسألوا ويطلبوا، فهنيئًا لكم.