نون والقلم

طارق تهامي يكتب: عودة عائلة القذافي

لا نعرف حتى الآن سببًا واضحًا، لوجود الساعدي معمر القذافي، في تركيا.. الأنباء التي تم تسريبها تقول إن «السلطات الليبية أفرجت عن الساعدي القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وذلك حسبما قال مصدر ليبي رسمي ومصدر في حكومة الوحدة الوطنية الأحد الماضى».

لاحظ أن المصدر قريب الصلة بتركيا، وهناك تعمد واضح على تسريب المعلومة. التي كانت مقترنة، بنشر صورة جواز سفر الساعدي القذافي. وكانت صورة جواز السفر بها علامات وأختام تفيد وجود نجل الزعيم الليبي الراحل في تركيا. ولابد أن نهتم كثيرًا بالخبر الذي يتحدث عن الساعدي. الذي كان وقت سيطرة والده على السلطة قائدا للقوات الخاصة الليبية.

وفر الساعدي إلى النيجر أثناء الانتفاضة ضد القذافي والتي دعمها حلف شمال الأطلنطي (ناتو) بضربات جوية، ولكن تم تسليم الساعدي إلى ليبيا في عام 2014 وكان متواجدًا في السجن منذ ذلك الحين في مدينة طرابلس.

في نفس الوقت خرج تصريح، أذيع على قناة العربية بالصوت والصورة. على لسان الرجل القوى في عهد القذافي وأحد المخلصين له وابن عمه، أحمد قذاف الدم. قال فيه بالصوت والصورة «نبارك خطوة إطلاق سراح بعض السجناء على رأسهم الساعدي القذافي».

والملاحظ في تصريحات أحمد قذاف الدم، هو رفضه للتدخل الأجنبي في شئون ليبيا. في إشارة إلى تركيا، التي تدعم ميليشيات تسيطر على طرابلس وما حولها. وحتى الحدود مع تونس، وقال قذاف الدم كلامًا مهمًا بمناسبة الإفراج عن الساعدي القذافي أكد فيه «أن المصالحة ورأب الصدع كانت بمثابة تقريب لفجر جديد ينعم فيه الشعب الليبي بوحدته واستقراره نحو حياة رغدة بعيدًا عن المطامع الخارجية به».

إذن.. الأمر واضح، تركيا تريد الاتفاق مع عائلة القذافي على الأوضاع الجديدة، من خلال الإفراج عن الساعدي القذافي، والضغط على باقي العائلة كي تقبل بالتدخل التركي في ليبيا. ولكن يبدو أن الرد جاء سريعًا من أحمد قذاف الدم، القريب الصلة بالدول العربية الرافضة للتواجد التركي في ليبيا. وكان الرد حاسمًا وفوريًا برفض التدخل الأجنبي في بلاده.

قذاف الدم لم يكتف بهذا الرد ولكنه تحدث عن «ضرورة إطلاق سراح أسرى آخرين يقبعون في السجون الليبية وعلى رأسهم رئيس جهازات المخابرات السابق عبدالله السنوسي،  بالإضافة إلى استعادة الآلاف من المهجرين الليبيين، معتبرًا أن هاتين الخطوتين ستسهمان في الصلح بين الليبيين، وكذلك فى الازدهار بليبيا».

هذه التصريحات الفورية والواضحة من قذاف الدم تعني أمرًا واحدًا.. هو إدراكه أن الاحتلال التركي في طريقه إلى الزوال قريبًا، خاصة بعد الضغوط المصرية والعربية والأوربية لإنهاء هذا التواجد التركي غير المرغوب فيه دوليًا، وبعد قرارات مجلس الأمن ومؤتمر برلين بضرورة إجلاء القوات الأجنبية عن الأراضي الليبية، وإجراء انتخابات فورية. بل إن الخريطة الليبية تغيرت من الداخل بعد جلاء حكومة السراج الموالية بتبعية «فجة» لتركيا، ووجود حكومة ليبية جديدة تتضمن بعض العناصر الليبية الراغبة في إعادة الاستقرار إلى ليبيا، مثل وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش، التي لا تتوقف تصريحاتها حول ضرورة إعادة الاستقلال، والاستقرار للأراضي الليبية، بما يعني ضرورة رفع تركيا يدها عن كل ما يخص الشأن الليبي.

إيطاليا أيضًا.. صاحبة العلاقات التاريخية مع ليبيا، وصاحبة النفوذ القديم.. منزعجة جدًا من محاولات تركيا المستمرة للبقاء فى ليبيا.. وكل دول الجوار مع ليبيا أو الدول القريبة منها، ترى أن النفوذ التركي «المؤقت» يجب أن يدخل مرحلة العد التنازلي تمهيدًا لإعادة الاستقرار النهائي لدولة ليبيا، وحتى دول الاتحاد الأوربي تعتقد أن استمرار تطبيق السياسة التركية في ليبيا، سيؤدي إلى تحويل البحر المتوسط إلى جسر مرور للإرهاب العابر للقارات، ونقل المهاجرين غير الشرعيين، من خلال ليبيا المنفلتة أمنيًا في كثير من مساحات أراضيها.

طيب.. ماهو المتوقع؟ أتصور أن المشروع التركي في ليبيا قد انتهى للأبد، ولكن أردوغان يسعى للخروج بأقل الخسائر من خلال مد جسور ولو قليلة مع عائلة القذافي التي مازالت تمثل قوة لا يستهان بها في ليبيا نظرًا لانتمائها لقبيلة كبيرة العدد والنفوذ والتأثير، بالإضافة إلى وجود مصاهرات بينها وبين الكثير من القبائل الليبية الأخرى.

أيضًا أردوغان يتعامل مع ليبيا الآن باعتبارها مصدرًا للخسارة بسبب التكاليف الكبيرة للوجود التركي في ليبيا. دون راع يقوم بالتمويل بسبب عدم التوافق الدولي على المشروع التركي. ولذلك أصبح من مصلحة تركيا الانسحاب الكلي من ليبيا. مع محاولة مد جسور مع أصحاب النفوذ القادم، وهم عائلة القذافي.

من المتوقع تنفيذ ما تم تخطيطه دوليًا في ليبيا، بخروج القوات التركية، وخروج الميليشيات، التي أصبحت بلا عمل حقيقي، ولا أحد يعرف إلى أين ستذهب بعد ذلك، خصوصًا بعد استقرار الأوضاع كثيرًا في سوريا، والعراق وإعادة بناء الجيشين هناك، وحتى أفغانستان لن تستطيع استقبال هذه الميليشيات بسهولة، لأن الطرح الجديد الذي تحاول طالبان طرحه على المجتمع الدولي هو أنها دولة بناء واستقرار وليست دولة إرهاب وقتل وتدمير.

عمومًا.. سنحتفل قريبًا بإعادة تأسيس الجيش الوطني في ليبيا. وسيعود الاستقرار إلى الجارة العزيزة بعد عشر سنوات من محاولات إخماد النيران المشتعلة في الجسد الليبي.

tarektohamy@alwafd.org

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى