يعود بينيت من أمريكا مزودا بدعم يراه الأثمن لسياسة حكومته تجاه الفلسطينيين. وعنوانه لا للسياسة ونعم للتسهيلات، حتى مفاوضات الإلهاء والتحايل لم تعد مقبولة. لأن مجرد قول كلمة مفاوضات ستؤدي إلى انهيار الحكومة. هكذا قالت الوزيرة شاكيد من كتلة بينيت.
الصورة الراهنة بألوانها الحقيقية تشير إلى أن الفلسطينيين يدفعون ثمنا مزدوجا دون أن يقبضوا شيئا حتى التسهيلات، دفعوا ثمن الإطاحة بنتنياهو بأن حصلوا على يميني أكثر تشددا إلا أنه فوق ذلك مغطى بيسار صهيوني ورافعة إسلامية عربية، كما دفعوا ثمن الإطاحة بترامب ليحصلو على بايدن الذي يواصل إقناع الفلسطينيين بقبول التسهيلات والبدء في مسيرة الحل من الصفر مع نصيحة يقدمها لهم بأن يصبروا على التلكؤ في فتح الممثلية في واشنطن والقنصلية في القدس وكل ذلك مغطى بجملة غير مفيدة نحن مع حل الدولتين.
الطبقة السياسية الفلسطينية التي بنت رهاناتها في العلاقة مع إسرائيل على أساس أمريكي كان متينا وواعدا في بداية العمل على ما سمي بمشروع المصالحة التاريخية إلا أنه تآكل وتلاشى مع تقادم السنين وبفعل التنكيل الإسرائيلي الممنهج بالفكرة من أساسها.
في عهد ترامب نتنياهو كان يقال إن الهوامش ضاقت والأسقف انخفضت وغابت مفردة الضم ما اعتبره بعضنا إنجازا مفصليا فإذا ببينيت يستبدل ضم الثلاثين بالمائة من أراضي الضفة بادامة الاحتلال على المائة بالمائة، واستبدال التسوية السياسية القائمة على أساس الحقوق الفلسطينية، بتسوية العيش وإلى ما لا نهاية مع التسهيلات.
الطبقة السياسية الفلسطينية تجاهد بصعوبة لإخفاء خيبة أملها من الموقف الأمريكي. الذي تخلى حتى عن فكرة المفاوضات وأسند مهمة تحقيق معجزة الحل إلى الفلسطينيين والإسرائيليين. وفق تدرج جديد أختلف كليا عن تدرجات أوسلو القديمة.. الدرجة الأولى نزع فتيل الانفجار المحتمل في الضفة وغزة. بفعل الاحتقان المتزايد في المكانين. والدرجة التي تليها إطفاء النار الكامنة تحت الرماد بإراحة السلطة في رام الله ببعض التسهيلات في الحركة والمال. واحتواء السلطة في غزة بتسهيلات مرتبطة بالهدوء. وهي لم تصل حتى الآن إلى ما كان الأمر عليه قبل سيف القدس. أو حارس الأسوار وفق التسمية الإسرائيلية.. والدرجة الثالثة.. التفتيش عن مداخل ولو على هيئة مسامات دقيقة لمحاولة التفاوض من جديد.
هنالك وصف أرى أنه غير دقيق للحالة الراهنة.. «عودة الأمور إلى نقطة الصفر» وبمراجعة لفصول العملية السياسية في زمن صعودها إلى زمن انحدارها، نجد أننا صعدنا إلى ما فوق الصفر زمن إدارات أمريكية رغبت في إنجاح مشروع السلام وإدارة إسرائيلية قطبيها رابين وبيريز حمامتي السلام بالقياس مع نتنياهو بينيت، وحالة فلسطينية كانت أفضل بكثير من الحالة الراهنة، كان هنالك اختلاف صحي في الرأي والموقف بين القابلين والرافضين، وكان هنالك بحبوحة عيش موعودة مع إغداق من المانحين لأجلها بحيث بدت سنغافورة أكثر تواضعا منها، وكان عند الفلسطينيين برلمان منتخب وحكومة وميزانية وبرامج تنمية يرعاها العالم كله، ثم لم يكن عندنا إنقسام، إذا أين نقطة الصفر التي عدنا إليها وحالنا هو حالنا داخليا وإسرائيليا وأمريكيا ودوليا. إن الوصف الأدق أن الوضع الراهن دون الصفر بكثير.
ومن المآالات التي لم تحسب في البدايات إلا أنها فرضت نفسها في الخواتيم وهي أن الفلسطيني فُرض عليه أن يدفع دون أن يقبض شيئا، دفع فاتورة التخلص من نتنياهو وترمب وها هو يدفع فاتورة بينيت وخمول بايدن دون أن يضع في الحساب الفاتورة الأكبر والأخطر التي نختصرها بكلمة واحدة «الانقسام».
كان إيجابيا وفعالا تضافر الجميع لإسقاط صفقة القرن الكارثية وهذا ما حدث وصار ضروريا أكثر العمل على إسقاط مخلفاتها ومحاولات استنساخها بصورة أو بأخرى.
نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية