نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: توطين الصناعة

بناء الدول ليس أمرًا سهلاً ويسيرًا كما يعتقد البعض، وإنما هو أمر بالغ الصعوبة. لأن أسس بناء الدول الحديثة يبدأ من إنفاذ سلطة الدولة على المجتمع من خلال مؤسسات قوية وراسخة. وقدرتها على السيطرة على كامل أراضيها ومواردها واستغلالها بشكل أمثل. والقدرة على الحفاظ على الأمن القومي والسيادة الوطنية. وغيرها من الأسس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتختلف التحديات من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر.

أخبار ذات صلة

وإذا كان الأمر يتعلق بدولة في حجم مصر فمن الطبيعي أن تكون التحديات أكبر وأعظم، لأسباب كثيرة، منها الخارجي وأيضًا الداخلي، وليس أدل على ذلك من الأحداث التاريخية التي مرت بها مصر على مدار عصور كثيرة تعرضت خلالها لحروب ومؤامرت.. وإذا كانت تجربة محمد علي تقف شاهدة على مجابهة الدولة المصرية الحديثة. من قوى عالمية خشية تهديد مصالحها. باعتبار أن مصر تمتلك العناصر الجيوسياسية والبشرية والتراث الثقافي والحضاري والديني. إضافة إلى الثروات الطبيعية التي تؤهلها لأن تكون قوة مؤثرة في قلب العالم. الأمر الذي جعل التدخل في شئونها مسلسلاً مستمرًا في عقول القوى الكبرى. وكان سببًا في عثرات كثيرة تعرضت لها هذه الأمة.

إضافة إلى أسباب داخلية كثيرة كان على رأسها أهم عوامل نهضة الأمم وهو التعليم الذي تراجع وتخلف في مصر منذ أكثر من نصف قرن، وأدى بطبيعة الحال إلى تخلف مصر عن كل مقومات التقدم والحداثة، وكان سببًا في احباط عدة أجيال، ونتج عنه هجرة كثير من العقول إلى أوروبا وأمريكا والبعض إلى الدول العربية بحثًا عن تحقيق آمالهم وأحلامهم خارج الوطن.

ومع التراجع العلمي والاقتصادي انتشرت ظواهر اجتماعية خطيرة مثل الفساد والرشوة والمحسوبية، وصارت عرفًا في بعض مؤسسات وقطاعات الدولة وشكلت دولة عميقة أخلت بالعدالة الاجتماعية وبدولة القانون والعدل والمساواة، ووصلت الأمور إلى ذروة الفساد بعد أن احتكرت قلة قليلة السلطة والثروة وهو ما ساهم في الاحتقان الشعبي إبان ثورة يناير، ثم كان الانفجار الشعبي الهائل والمذهل في ثورة الثلاثين من يونيو بعد أن أيقن الشعب أن مصر تسير نحو الهاوية، وأن مصر أكبر من أن يعبث بها بعض العملاء والخونة.

الآن في الجمهورية الجديدة تعود مصر بخطوات ثابتة وسريعة إلى الحداثة والتقدم من خلال خطة التوسع الأفقى التي لم تعرفها مصر منذ عهد محمد علي، وتتم في شكل مجتمعات جديدة متكاملة في كل ربوع مصر، وبالتوازي مع تحديث البنية الأساسية في المدن القديمة ومشروع تطوير الريف المصري من خلال مبادرة – حياة كريمة – التي تخدم حوالى نصف سكان مصر.

ولكن في اعتقادي أن أهم خطوة في الجمهورية الجديدة هو قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاتجاه نحو توطين الصناعة في مصر، لأن هذا التحول يشكل نقلة اقتصادية هائلة لم تعرفها مصر من قبل، خاصة وأن مصر تمتلك الموارد الطبيعية التي توفر المواد الخام لكثير من الصناعات، كما أنها تمتلك الموارد البشرية التي لا تحتاج إلا إلى التدريب لتصبح مصر لديها أكبر قوة عاملة لا مثيل لها في الشرق الأوسط.

ويكفى مصر نجاحًا تغطية احتياجات السوق المحلي الذي يتجاوز مائة مليون نسمة. ويوفر لها مئات المليارات من الدولارات للواردات فقط. وإذا كانت مصر تمتلك الفرصة الأكبر في السوق العربية والإفريقية. فهذا يعنى أن توطين الصناعة كفيل بتحويل مصر إلى أحد النمور الاقتصادية العالمية في خلال عقد من الزمان.

حمى الله مصر

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى