تتحدى إثيوبيا مصر والسودان وتلقى القانون الدولي والمعاهدات تحت أقدامها وتبنى سدا يحجز المياه ويمنعها عن مائة و خمسون مليون إنسان. وتملأ السد ملء أول و ثاني و تستهزأ ليلا و نهارا بكل الجهود التي تقوم الدولتان وتبث الأكاذيب صباحا و مساء على كل وسائل التواصل والفضائيات. ومصر تتسلح ولا تزال تتسلح وتضع خطوطا حمراء و لا تهتم بها إثيوبيا ورغم أن حروبها الداخلية لم تتوقف ورغم سقوط القتلى و الأسرى ووقوع المجازر و اغتصاب النساء لم يتوقف فأيضا لم يتوقف العمل بالسد. ومازلنا نبحث عن اتفاق قانوني ملزم ونبحث عمن يضمن أن تنفذه إثيوبيا التي لم تلتزم بكل ما وقعته من اتفاقيات .
سألنا وتساءلنا مرات عديدة لماذا سمحنا لهم بالبدء في البناء؟ ولماذا وقعنا معهم اتفاق؟ ولماذا لا يتوقف البناء و متى ستفعل مصر شيئا يوقف الملء و يجعل لأي مفاوضات قيمة أو أننا نحن الذين لم يعد لهم قيمة.
فإذا كانت إثيوبيا الدولة التي ليست دولة وتتحارب عرقياتها ليلا و نهارا و التي يتحدث الجميع عنها أنها شتات دولة و أسرى جيشها نراهم على الفضائيات في شوارع أقليم التيجراي. ورغم ذلك تفعل ما تريد وتهدد حياتنا فكيف لا نقلق وقد مرت سنوات عشر كاملة لم نرى فيها شيئا جديد إلا إكتمال السد و الملء الأول ويكتمل الآن الثاني. وقمنا بمناورات عسكرية ضخمة على حدود الدولة الهشة و لا حياة لمن تنادى و ذهبنا إلى مجلس الأمن الذي نعلم جميعا أنه لا ينصف مظلوم ولا صاحب حق .
قلنا ومازلنا نقول أننا نثق في مصر و جيشها و قادتها أن لديهم القدرة والقوة على إزاحة الكابوس. الذي يهدد مصر حاضرا و مستقبلا و اقتصادا و زراعة ودولة. ولكن على أرض الواقع لا نرى إلا ما يحدث. لا نستطيع أن نرى غيره و إذا فشلنا لا قدر الله في حماية نهر النيل. فما قيمة مصر وتاريخها وحاضرها وقوتها وعلمائها واقتصادها وجامعاتها.
وقد عالجت مصر نفسها بنفسها بعد نكسة يونيو. وقد خسرت وقتها آلاف من شبابها و جزء عزيز غالي من أرضها و كرامتها. وبات عليها أن تبنى أيضا جيشها من البداية. وكافح الشعب كله حتى انتصرنا واستعدنا الهيبة والكرامة وأرضنا وثأرنا لشبابنا. ولكن لو فقدنا نهر النيل ولم نستطع حمايته. فماذا ستكون خطتنا للحفاظ على وجود مصر كدولة ولكن بدون نهر النيل فهل نستطيع أن نفعل ذلك. وهل سيكون لنا قيمة بين الدول و هل سنملك قرارنا؟ كل منا يسأل نفسه هذا السؤال .
عاشت مصر ونيلها وجيشها وشعبها وقادتها الذين لم ولن يتأخروا في الدفاع عن وجودها. ونعلم أنهم يعملون ليلا و نهارا. و لكن وجب علينا أن يعلموا إلى أي مدى وصل القلق بنا حتى تكتمل الصورة أمامهم بكل أبعادها .