محمد يوسف يكتب: تحوُّر المُتحوِّر
من الواضح أنه غير ثابت، لا شكلاً ولا مضموناً، خطورته في الضبابية التي يثيرها حوله. لا تعرف هو من أي صنف. وأي اسم يستحق أن يطلق عليه. قيل إنه «متجدد» أو «مستجد». ثم قيل إنه «متحول» و«متغير»، وتنقل من مرحلة إلى مرحلة والكل يلهث وراءه. يسابق البشر ويسابقه البشر. قد يكون مسالماً وهيناً على البعض. وقد ينقلب فجأة فيصبح شرساً قاسياً يضرب من فوق الحزام ومن تحته، لا صاحب له، ولا صديق، يفتك بمن يريد، وكأنه يعرف جيداً أن قدرات الآخرين أقل من قدراته، أو هكذا يظن.
منح في الفترة الأخيرة اسماً جديداً، قيل إنه «متحور»، يستنسخ نفسه بنفسه، مواجهاً حملة دولية للقضاء عليه ومازال يفتك ببني البشر، وهؤلاء، أي بني البشر، منشغلون بمواجهة بعضهم بعضاً، يتصارعون بعيداً عنه، نفوس «دنية» وطماعة، تريد تحقيق مكاسب حتى لو مشت على جثث الضحايا، «دلتا وبيتا وميتا وزفتا» تعيث فساداً، وكل واحدة منها تتوالد وتتكاثر وتتحور، فالمتحور يتحور ما دامت الطرق مفتوحة أمامه، وما دامت المواجهة تشوبها شوائب الذين لا يعيشون إلا في المياه العكرة.
قرارات التصدي لـكورونا أصبحت مثل قرارات الحرب والسلام، سيادية وبامتياز، قوائم سوداء وحمراء وصفراء وخضراء تصنف وتميز، تفرز هذا عن ذاك، وتمنح البراءات بمزاجية وعشوائية، فالكل مازال يتعلم من هذه الجائحة، وللأسف التحصيل ضعيف جداً، والسيادة التي لا تقوم على العدل تستحق مسميات أخرى، فإذا غابت المصلحة العليا، وهي تتمثل في صحة وسلامة البشرية، عندها تكون السيادة أكثر خطورة من الوباء، وأشد فتكاً.
سنغافورة ألقت بكل شيء خلف ظهرها، وقررت تناسي «بيتا وميتا» واعتبار كورونا مرضاً مثله مثل الإنفلونزا أو النزلة المعوية، وأوقفت الحجر والفحص والإحصاء والطوارئ، وأحدثت حالة من الذهول في العالم كله، فهذه خطوة «متحورة»، قد تكون شجاعة، وقد تتسبب في كارثة، وقد تجد بعض المؤيدين، وقد يعارضها كثيرون.
تحوَّر المُتحوِّر ما بين كواليس السياسة وخفايا السيادة ونوايا هي بلا شك غير بريئة.