أحسنت الإدارة المصرية صنعا في وضع ملف سد النهضة الإثيوبي أمام مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية وكل الأطراف الفاعلة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ليتحمل الجميع مسئولياته أمام التعنت الإثيوبي وخروجها عن قواعد القانون الدولي بمحاولة الملء الثاني لسد النهضة وما يترتب عليه من أضرار كبيرة لدولتي المصب مصر والسودان.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه مصر إثيوبيا دولة شقيقة وشعبا جارا وتحاول بناء أواصر الثقة معه وتري حقه في التنمية والنهضة. إلا أنها لاتقبل هي أو السودان بأي حال من الأحوال الإضرارا بمصالحهما المائية. أو الإنتقاص من حصصهما المائية 55.5 مليار متر مكعب لمصر و 18.5 للسودان. ولا بد أن تعترف أديس أبابا بحقوق مصر والسودان. وأن تعترف بقواعد القانون الدولي المرتبطة بالإخطار المسبق وعدم التأثير على الموقف المائي. وعلى المجتمع الدولي أن يكون مستعدا في مرحلة ما لتحمل مسؤولياته تجاه هذا الملف.
والمتابع للمشهد يري أن أديس أبابا لم تلتزم بالاتفاقات الدولية والقانون الدولي المتعلق بالمياه وحقوق الدول في الأنهار المشتركة، حيث تلزم اتفاقية الأنهار إثيوبيا بضرورة الإخطار المسبق قبل أن تقوم بأي عمل بحق الأنهار المشتركة مع دول أخرى. كما أنها لم تلتزم باتفاقية العام 1902 التي وقعتها مع السودان، والتي تعهدت بموجبها بعدم التعدي على أي من البحيرات والأنهار المشتركة إلا بعد موافقة الأطراف الأخرى.
واتجاه مصر إلى المجتمع الدولي ليس من منطق الضعف فالدولة المصرية لديها من القدرة والعزيمة على أن تحمي مصالحها بكل الوسائل، لكنها ترغب في السلام وإعطاء الحلول السلمية والدبلوماسية كل الفرص المتاحة والممكنة، وعلى الإثيوبيين البعد عن الإستحواذ وفرض الأمر الواقع، فالأمر الواقع لا يفرض على دولة بحجم وقدرة مصر وشعبها.
واستمرار إثيوبيا في نهجها والقيام بعملية الملء الثانية لسد النهضة منفردة بعد فشل كل جولات التفاوض في التوصل إلى اتفاق ملزم، يفتح الباب علي مصراعيه للتوتر في المنطقة بل وفي أفريقيا كلها وسيغيب السلام الذي يتمتع بع الشعب الإثيوبي وكثير من شعوب القارة، لأن ما تحاول إثيوبيا القيام به يمثل تهديدا لنصف سكان السودان، أي ما يقارب 20 مليون إنسان. وبالنسبة لمصر فإن الأضرار والأخطار التي تترتب على هذا الأمر كبيرة وخطيرة.
وبعد افشال إثيوبيا لكل الجهود السلمية والمفاوضات التي استمرت أكثر من 10 سنوات ارتأت مصر والسودان بأن يتدخل المجتمع الدولي لكي يقوم بدوره ويتحمل مسئولياته وواجباته ويسعى لإيجاد تسوية حفاظا على الاستقرار في هذه المنطقة، فأي اهتزار لهذا الإستقرار بالقارة الإفريقية سينتج عنه اهتزاز للسلام الدولي وسيتضرر الاقتصاد الدولي والتجارة الدولية بشدة. وحينئذ لن ينفع الندم.. وإذا تقاعس مجلس الأمن والمجتمع الدولي عن مسئولياته فبالتأكيد ستقوم الدول المتضررة بكل ما يلزم لحماية مصالحهما.
ومن هذا المنطلق يجب أن يكون هناك تدخل قوي وفعال من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية، والقيام بدور الوساطة وليس الإكتفاء بدور المراقب فقط.. فأمريكا وأوروبا تمتلكان أوراق ضغط على أديس أبابا حيث تقدم الكثير من المنح والمعونات والمساعدات لها ويعتبرانها وكيلا لهما في منطقة القرن الأفريقي .
وبعد دخول الأزمة منعطفا خطيرا بعدما فشلت جولة المفاوضات الأخيرة في كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية. وظهور تصميم إثيوبيا على بدء المرحلة الثانية من ملء السد في موسم الأمطار في يوليو المقبل. الأمر الذي تنظر إليه القاهرة والخرطوم بقلق شديد على أنه تهديد لإمدادات المياه لهما.
سعت القاهرة لتحمل المجتمع الدولي لمسئولياته وبعثت مصر بخطاب حازم إلى مجلس الأمن الدولي يوحي بقرب نفاد صبر القاهرة .. هذا الخطاب الذي وجهه سامح شكري وزير الخارجية، بشأن مستجدات ملف سد النهضة الإثيوبي جاء مختلفا عن خطاب سابق وجهه شكري إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، رغم أن الفارق الزمني بينهما لم يتخط شهرين في محاولة أخيرة لتجنب خيارات أخري قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإنها «مفتوحة».
ومجلس الأمن الدولي دوره حفظ الأمن والسلم الدوليين. وفقا لميثاق الأمم المتحدة. وبالتالي عليه تحمل مسئولياته بشأن حق القاهرة والسودان التاريخي في نهر النيل. وعليه وقف العبث الإثيوبي بقواعد ونظم القانون الدولي. من خلال إجراءات وخطوات أحادية، وعدم فرض الأمر الواقع الذي لن تقبله مصر ولا السودان.
ومثل خطاب الخارجية المصرية لمجلس الأمن مستندا رسميا يحمل ويكشف للمجتمع الدولي حقيقة المواقف الإثيوبية المتعنتة. والمخالفة للقانون الدولي الذي يحميه مجلس الأمن والأمم المتحدة. حيث اتهم الخطاب أديس أبابا بإفشال المساعي المبذولة على مدار السنوات الماضية. من أجل التوصل لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً حول سد النهضة. وبالتالي وضع الخطاب الكرة في ملعب مجلس الأمن. وتحميله مسؤولية أي تطور قد يقود إلى صراع بالمنطقة.
وفي الثالث عشر من أبريل الماضي، وجهت الخارجية المصرية خطابات إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة. ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة. تضمن شرحا لكافة أبعاد ملف سد النهضة ومراحل التفاوض المختلفة وأخر التطورات. كما اقترحت مصر والسودان في وقت سابق وساطة رباعية. تشارك فيها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، فيما تمسكت أديس أبابا بالمسار الذي يشرف عليه الاتحاد الأفريقي.
وفي إطار حشد المجتمع الدولي والعربي خلف موقف مصر والسودان. يأتي اجتماع اليوم لوزراء الخارجية العرب بالدوحة لدعم موقف مصر والسودان في أزمة السد الإثيوبي. فالنزاع حول السد الإثيوبي جدي وليس ثانوي.. وفي غير مرة أكدت الجامعة العربية أنها تدعم كافة الخيارات التي تراها مصر والسودان مناسبة في قضية سد النهضة. وما زالت مصر والسودان تتعاملان حتى هذه اللحظة بشكل مسئول بعيدا عن التصعيد من أجل الحل السلمي للأزمة.. فهل يستيقظ المجتمع الدولي ويتدخل لحل الأزمة قبل فوات الآوان.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا