الخائفون على الهوية يعتقدون أن هذا الكم الهائل من الأجانب الموجودين في منطقتنا الخليجية قد يتسببون في «تذويب» ثقافتنا ولغتنا وكل ما يميزنا، ويقولون إن تعدد الثقافات القادمة إلينا من الشرق والغرب يمثل خطرًا، إن لم يظهر الآن سيظهر بعد سنوات قليلة، ويستشهدون ببعض التصرفات من أشخاص ينتمون إلى بلداننا، أولئك الذين يعجبهم التغريب، ويحاولون أن يجعلوه سمة من سماتنا!
وهنا علينا أن نقف، وأن نراجع أنفسنا، فهذا البعض وللحقيقة موجود، ويعمل وهو في كامل وعيه على التقليل من أهمية التمسك بمرتكزات الهوية الوطنية، سواء بتجاوزها أو إقحام مصطلحات أجنبية وتفسيرات مستوردة، لإيهام الناس بأن تلك الثقافات ولغاتها أكثر ثراء من لغتنا العربية.
ودعونا نذهب إلى محطات التلفزيون المحلية أولًا، ومن بعدها الخليجية. ولن أذكر اسم محطة بعينها، وبرنامج بذاته، فنحن في زمان «الحساسية المفرطة» التي يعتقد كل مسؤول أنه المستهدف عند الحديث عن الجهة التي يشغل منصبًا رفيعًا بها، و«سأذهب بعيدًا حتى أعود سالمًا» كما يقول المثل، فتلك المحطات عندما نشاهد مسميات بعض برامجها، وهي محطات عربية لغة وانتماء، نجد أنها تستعين بعناوين من القواميس الأجنبية، وهذه رسالة سلبية بحق وطنها ومجتمعها، واعتداء على هويتها، وإهانة للغتها الجامعة الشاملة، وحتى لا يفهمني البعض خطأ، فإنني لا أتهم أحدًا بسوء النية وتعمد الإساءة لهوية بلاده ولغتها. ولكنني أستطيع أن أقول لكم بأن مثل هذه التصرفات ناتجة عن جهل قد يرتقي إلى مستوى الغباء!
ومثل البرامج، هناك بعض الضيوف الذين يغطون بألوان التزيين الملطخة لوجوههم الشاشات الملونة. وما بين الكلمة العربية والأخرى لا بد أن تحشر بضع كلمات مقتبسة ومقحمة زورًا. فالضيف ومعه المقدم يتنافسان على إظهار ثقافتهما المختلطة إلى حد الإساءة للمستقبل. أي المشاهد العربي، الذي يمثل المجتمع.