كثيرون عبر التاريخ غرقوا في وحل الأوهام، اتبعوا وساوس الشيطان، فتركوا مُلكًا ليطاردوا السراب، في أزمان مختلفة أو في مناطق متعددة، وكانوا يتحدثون بلغات مختلفة وخرجوا من ثقافات متنوعة.
هتلر كان يحكم دولة عظيمة، وغنية بخيراتها ومصانعها وناسها، وكان أمامه طريق واضح ليكون عظيمًا يحفر اسمه في كتب التاريخ، ولم يفعل الصواب، سلك طريقًا آخر، تلبسته أفكار شيطانية، فاستصغر العالم كله، ولم يعترف بغير عرقه من يستحق أن يحسب على البشر، فحول آلات مصانعه لإنتاج المدافع والدبابات والطائرات، وضخ الوهم تلو الوهم في قلوب الشباب، فأشعل نارًا لم تنطفئ حتى التهمت عشرات الملايين، ودمرت مئات المدن والبلدات، وكان هو آخر قتلاها في مخبئه تحت الأرض.
والإسكندر الأكبر كان شجاعًا، وفي الحروب مقاتلًا جسورًا، أقام دولة، بل إمبراطورية، ولم يعجبه أن يكون حبيسًا وسط وشرق أوروبا، فاتجه جنوبًا، واحتل دولًا، واستعبد شعوبًا، ولم يوقفه أحد، حتى خارت قواه، ووجد جيشه واهنًا، في أرض لا يعرفها ولا تعرفه، ومات شاباً وسط آسيا ولم يعرف له ضريح بعد.
وجنكيز خان وحد شعوبًا وقبائل كانت متفرقة، وأسس دولة. ولكنه طمع في جيرانه، فاحتل بلادهم، واستعبد ناسهم. وشكل جيوشًا، أراد الورد من بلاد الشمال الأوروبية، والعلم والثقافة من بلاد المسلمين الواقعة غرب بلاده. ومع سقوط كل مدينة كان يتطلع إلى ما وراءها. ومات في خيمة بصحراء لا يعرف اسمها.
ونابليون العظيم الذي دانت له كل السلطات في بلاده، وهو لا يستحقها. ارتكب خطأ الذين يحلمون بسفك الدماء مقابل تحقيق أمانيهم. وشتت قوته شرقًا وجنوبًا، حتى انتزعت منه السلطة. ومن سجن إلى سجن. كان مصيره أن يموت وحيدًا في جزيرة «سانت هيلانه» بالأطلسي.
هؤلاء الأربعة، وغيرهم كثيرون، غيبوا العقل والحكمة واستخدموا المكر والخبث والقوة. نقدمهم «هدية» للذين يعتقدون أنهم قادرون على تغيير ملامح الأرض ومن عليها. فقط لأنهم يرون أنفسهم في درجات اخترعوها. ثم صدقوا أنها الدرجات العليا وقد دانت لهم. لعلهم يتعظون.