كل فترة يبدلون مسمياتهم، لا يعرفون من هم، نزعوا جلودهم، ووشموا أجسادهم بشتى الألوان، معتقدين أن ادعاء التنوير سيضفي نورًا عليهم، وأن علمهم سيزيد لو قالوا إنهم علمانيون وليبراليون، فأخذوا القشور من هذا الاتجاه وذاك، وخرجوا بتركيبة غريبة وعجيبة.
الليبرالية فكر ومنهج، وطريق طويل سلكه من تبنوها حتى وصلوا إلى ما هم عليه اليوم، فكر لا ينادي بالعداء للمجتمع، ولا يطلب هدم الثوابت الراسخة، والممتدة عبر تاريخ طويل في وجدان الناس، فكر يبني على القائم ولا يدوس عليه، فهؤلاء تعلموا من أخطاء الشيوعية، ولم يكرروا تجاربها، حتى لا يسقطوا سقطتها، ولم يتبعوا التطرف لتحقيق مآربهم، ولم يهن الليبراليون عقائد الناس.
للأسف، هؤلاء الذين نراهم في الواجهة، ويقذفون بالحجارة في المياه الراكدة من حين إلى آخر. ليسوا بمستوى الدعوة إلى فكر جديد. فهم مجرد قراء لبعض الكتب وأقوال الفلاسفة، يحفظون ما يقرأون ثم يكررونه علينا مثل «الببغاوات». يستغلون مجتمعاتنا المتسامحة، بينما هم غير متسامحين، إن واتتهم الفرص وتمكنوا تحولوا إلى «كائنات متوحشة». والتجارب العربية زاخرة. فكم أقصوا، وكم أهانوا، وكم دمروا، من بعيد هم أكثر الناس دعوة للحرية. فإذا اقتربوا كانوا أول المحاربين لحريات الآخرين، رأيهم فقط هو الصحيح والمتداول، وآراء غيرهم محجوبة. يتدخلون في خصوصيات الأفراد والفئات وكأنهم أوصياء على المجتمع، يجعلون من «النكرة» عالمًا، ويسفهون العلماء الأجلاء. ولا يضعون حدودًا لتطاولهم على المعتقدات.
مجتمعاتنا تتقدم بخطى ثابتة، وتتغير وهي تسير في خط متواز مع التقدم الحضاري، ولدينا قناعة بأن التحضر لا يصطدم بالولاء والانتماء والمعتقد، وقد نجحت تجربتنا حتى صرنا محط أنظار العالم، ولم نجبر على تقليد غيرنا، فنحن كما نحن، نؤمن بما نرى أنه الحق، ولا نبدل جلودنا مثل الأفاعي.