سحبت الولايات المتحدة الأمريكية حاملة الطائرات “تيودور روزفلت” من مياه الخليج العربي الجمعة الماضي، ليصبح الخليج خالياً للمرة الأولى منذ عام 2007 من حاملات الطائرات الأمريكية، في ظل انتشار الفوضى والحروب في أنحاء متعددة من المنطقة، وخوض الدول الخليجية حرباً متكاملة الأركان في اليمن، لمساندة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، في مواجهة مليشيات الحوثيين الانقلابية وحلفائها.
الخطوة الأمريكية أثارت المخاوف حول خريطة النفوذ الإقليمي، واستغلال إيران لهذه الفرصة في تحقيق المزيد من المكاسب، كما أثارت الريبة حول نوايا واشنطن تجاه حلفائها الخليجيين، واحتمال تركهم وحيدين في معركة مكافحة التغول الإيراني المتصاعد.
وتحتفظ الولايات المتحدة تقليدياً بحاملة طائرات تتبع للأسطول السادس في مياه الخليج العربي، منذ حرب الخليج الثانية، إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990، الأمر الذي انتهى بتشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، أفضى إلى تحرير الكويت، وإقامة قواعد عسكرية في عدد من الدول الخليجية، ما تزال قائمة إلى اليوم.
وحشد البنتاغون قواته في الخليج العربي مطلع عام 2003 تمهيداً لغزو العراق، وكانت حاملتا الطائرات (يو إس إس بونوم ريتشارد) و(أبراهام لنكولن) بين تلك القوات المحتشدة، إلى جانب حاملتي طائرات بريطانيتين في إطار التحضير لتوجيه ضربات عسكرية عقابية لنظام صدام حسين، بعد اتهامه بحيازة أسلحة دمار شامل.
وقالت صحيفة “ستارز آند سترايبس” الأمريكية، التي أذاعت نبأ سحب واشنطن حاملة الطائرات “تيودور روزفلت” من الخليج، إن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2007 التي يخلو فيها الخليج من أي حاملة طائرات جاهزة للعمل العسكري.
وبعد وصولها إلى المنطقة في مارس/ آذار الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حاملة الطائرات روزفلت والبارجة القاذفة للصواريخ نورماندي في حماية السواحل اليمنية، وذلك عندما أرسلتها نحو المياه اليمنية، في أغسطس/ آب الماضي، بعدما رصدت قافلة من 9 سفن إيرانية بينها بارجتان حربيتان، في طريقها إلى اليمن.
وبعد استدارة قافلة السفن الإيرانية والاتجاه شمالاً، في طريق عودتها إلى إيران، قال مسؤول في البنتاغون إن حاملة الطائرات روزفلت ستعود إلى الخليج، وهي عودة تبين أنها كانت مؤقتة.
– خطر على الأمن القومي
وتنبع الشكوك حول سحب حاملة الطائرات الأمريكية من عاملين، الأول هو خلو الخليج لأول مرة منذ نحو 9 سنوات من حاملات الطائرات الأمريكية التي تتميز عن القواعد العسكرية التقليدية بسهولة حركتها وسرعة استخدامها في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية المتقدمة، والثاني هو الظروف المحيطة التي تمثل خطراً متنامياً على الأمن القومي الخليجي.
ولا يعد خلو الخليج من حاملة الطائرات الأمريكية مفاجئاً، فقد كشفت صحيفة وورلد تربيون الأمريكية في أغسطس/ آب الماضي أن “روزفلت” ستعود إلى الولايات المتحدة، في إطار تقليصات أقرها أوباما في ميزانية الدفاع، الأمر الذي سيحد من قدرات واشنطن على شن غارات جوية على تنظيم “الدولة”، نظراً لأن نحو ثلث الغارات كانت تنطلق من “روزفلت”.
ونقلت الصحيفة عن الأدميرال جون ريتشاردسون، الذي رشحته إدارة أوباما لقيادة العمليات البحرية، قوله أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي إنه سيكون هناك فجوة لمدة شهرين في الخريف المقبل، ولن يكون لدى الولايات المتحدة أي حاملات للطائرات في الخليج.
– توقيت مربك
وتخوض دول الخليج العربي بقيادة السعودية، حرباً ضروساً في اليمن، في عملية تهدف إلى مساندة الحكومة الشرعية، ومؤازرة قواتها التي تعمل على تحرير المحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثيين وحلفائها من أنصار المخلوع علي صالح، وصولاً إلى تحرير العاصمة صنعاء. وتفرض هذه الحرب ضغوطاً متزايدة على الدول الخليجية، ما يجعل سحب حاملة الطائرات الأمريكية من الخليج في هذا التوقيت بالتحديد مربكاً.
من جهة أخرى، يفرض التدخل الروسي الأخير في سوريا إلى جانب قوات الأسد، واستهداف الفصائل المسلحة التي تقاتل قواته إلى جانب مقاتلي تنظيم “الدولة”، تحديات جديدة على السعودية وشركائها المعنيين بالقضية السورية.
ويأتي خلو المياه الخليجية، التي تلتقي على شواطئها دول الخليج العربية وإيران، في أعقاب الاتفاق النووي التاريخي المبرم بين طهران والقوى العظمى، وهو اتفاق محل خلاف كبير بين واشنطن وحلفائها الخليجيين، الذين يتخوفون من أن يشكل غطاء لإيران لزيادة نفوذها وتغلغلها في المنطقة، فضلاً عن مضاعفة دعمها للمليشيات والخلايا الموالية لها مستفيدة من رفع العقوبات المالية عليها نتيجة للاتفاق.