كان العالم كله ينتظر من بنيامين نتنياهو غير الذي رآه، ولهذا كانت ردة الفعل الدولية مختلفة عن كل ردات الفعل السابقة، حلفاء تاريخيون بدأوا يتساءلون عن تلك الأفعال غير المبررة التي سعت إليها حكومته مع بدء شهر رمضان في الأقصى وما حوله، وعن القوة المفرطة التي استخدمها ليسكت المحتجين على إخلاء المساكن من أصحابها العرب لتمنح إلى المستوطنين، وعلى الذين كانوا يحمون المسجد وساحاته من هجمات المتطرفين الإسرائيليين.
من الواضح أن العالم كله كان ينتظر سلوكاً مختلفاً من المحتل تجاه الأرض والناس في القدس والضفة الغربية، فالاتفاقات الجديدة التي وقعتها أربع دول عربية مع إسرائيل لم يجف حبرها، ولم يهدأ الضجيج المثار حولها، فإذا بالسلوك يتكرر بالمفهوم السابق ذاته، وبقسوة تلفت الأنظار، وبتخطيط مدروس تم جر حماس ومن معها في غزة إلى معركة شبيهة بتلك المعارك التي كانت تشتعل ثم تخبو نيرانها، ويكون الأبرياء وقودها، وقد أبدع نتنياهو في تلقين العالم درساً حفظه من «بن غوريون» و«غولدا مائير» و«شامير» و«شارون» وكل من كانوا في مكانه ذات يوم، رغم اختلاف الدوافع والأسباب، فهذا الرجل مصر على أن يبقى في السلطة، بعد أن فشل أربع مرات في الحصول على الأغلبية لحزبه وحلفائه، وفي أربعة انتخابات خلال عام أو أكثر قليلاً، وفشل أيضاً في كسب تأييد اليمين المتطرف والأحزاب الدينية المتشددة لتشكيل حكومة جديدة، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من دخول السجن إذا خرج من الحكم وتحركت القضايا المتهم فيها، فذهب به فكره المبني على ثقافة العنف والتدمير إلى مواجهة كادت تجر المنطقة كلها خلفها.
نتنياهو وحماس وجهان لعملة واحدة. الأول يعيش على الدمار. والثانية تعيش تحت الدمار. تلتقي أفكارهما عند نقطة مهمة. وهي أن الموت والخراب يعني استمرارهما في الواجهة. وقد كشفتهم أحداث الشهر الماضي التي توقفت فجأة كما بدأت. وخرج منها كل طرف كما دخلها.