قلق المصريين المتنامي بشأن قضية سد النهضة الإثيوبي، لا ينبع من التشكك في قدرات الدولة المصرية سياسيًّا أو عسكريًّا.. وإنما بسبب يقين المصريين بسوء نية إثيوبيا تجاه مصر. واستخدام هذه القضية سياسيًّا أكثر منها قضية تنموية للشأن الإثيوبى. بعد أن كشفت جولات المفاوضات المتعددة على مدار عشر سنوات كاملة. أن المفاوض الإثيوبي كان يعمد دائمًا إلى الهروب من كل الحلول. إلى حد الهرب من التوقيع النهائي الذي تم برعاية أمريكية. وتم التوصل إلى صيغة توافقية بين الدول الثلاث في واشنطن. ثم غياب الوفد الإثيوبي فجأة عن الحضور للتوقيع.
وإذا أضفنا إلى ذلك شعور المصريين بأصابع خفية تعبث في هذا الملف للضغط على مصر لتمرير قضايا أخرى بالغة الحساسية في منطقة الشرق الأوسط، سوف نعي أن إثيوبيا تتلاعب وتعبث بقضية بالغة الخطورة، لأنها لا تخص هذا الجيل من المصريين، وإنما هي قضية وجودية لمستقبل هذه الأمة، ولا يملك أحد التفريط في شريان الحياة لمصر حاليًا ومستقبلاً.
مما لا شك فيه أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يشعر بنبض الشارع المصري جيدًا، ويعى اهتمام المصريين الكبير بهذه القضية التي باتت على رأس اهتمام الشعب، وهو الأمر الذي دعا الرئيس أمس خلال افتتاحه عددًا من المشروعات التابعة لهيئة قناة السويس إلى طمأنة المصريين بخصوص هذه القضية. مشيرًا إلى أنه يعى قلقهم الطبيعي في هذا الشأن. ومؤكداً في الوقت ذاته على ضرورة الثقة في الله والدولة وقدرتها على الحفاظ على حقوق مصر المائية باعتبارها أمرًا لا يمكن تجاوزه.
وثمن الرئيس اهتمام المصريين وقلقهم باعتبار أن اهتمام المواطن بالدولة أمر رائع.. وربما يكون من دواعي الاهتمام البالغ للرأي العام الآن بهذه القضية هو التحرك الأفريقي والدولي في هذه القضية بشكل مكثف بعد أن حذر الرئيس السيسي قبل أسابيع من عملية الملء الثاني قبل التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن عملية الملء والتشغيل للسد ومن خلال اتفاقيات دولية وهو ما تتهرب منه وترفضه إثيوبيا ويؤكد على سوء نيتها، خاصة بعد أن صرح المتحدث الرسمي باسم خارجيتها بأن تقسيم مياه النيل يحتاج إلى اتفاقيات جديدة، بما يعني التنصل من كل الاتفاقيات الدولية السابقة.
ولأن الحروب القادمة هي حروب مياه، والإجراءات والتصريحات الإثيوبية جميعها تشير إلى التصعيد أيقنت السودان خطورة الوضع، ومن حسن حظ الشعب السوداني الشقيق تكشف النوايا الإثيوبية في ظل وجود نظام سوداني وطني لا يعمل إلا لمصلحة السودان وشعبه، وهو ما استدعى تحركًا سودانيًّا كبيرًا على الساحة الأفريقية والعربية والدولية. ورأينا تصريحات قوية للدكتورة مريم الصادق المهدي معبرة عن مصالح السودان وشعبه بحق. خاصة وأنها ابنة زعيم وطني قاد المعارضة السودانية في مواجهة النظام السابق. الذي باع كثيرًا من قضايا السودان بحفنة دولارات.
ومن ثم جاءت مواقف السودان الصلبة معبرة بصدق عن مصالح الشعب السوداني ومتناغمة مع الموقف المصري. وهو ما يبث الطمأنينة في قلوب شعب وادي النيل خاصة وأن هناك محاولات خبيثة وضغوطًا من بعض الدول التي تبدو وكأنها صديقة أو شقيقة للتأثير على مصر والسودان لتوقيع اتفاقية منفردة بخصوص عملية الملء الثاني فقط، وهو أمر ينهي حقوق مصر والسودان المشروعة في مياه النيل ويمنح إثيوبيا حقوقًا لا تملكها بحكم الاتفاقيات السابقة وبحكم كل الاتفاقيات الدولية المنظمة للأنهار الدولية.
حمى الله مصر وكل عام وأنتم بخير.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا