منذ آلاف السنين ونحن نمر بالشدائد، والتباريح، على ضفاف النيل، وكانت معظم الآلام تأتي من المنابع، وكان المصريون القدماء يعرفون أن الآلام مصدرها هناك، حيث مصدر المياه. فقد كانت المخاطر، تتمثل في أطماع الذين يعيشون على أرض روافد النهر. فقد كانوا يعتقدون. منذ قديم الزمن، أن هذه المياه، التي تتدفق بحب نحو أرض الكنانة. هي سبب الحضارة التي تفجرت في الوادي.
لم يكن فكرهم يسعى لتقليد المصريين في بناء الحضارة، ولكنهم كانوا يسعون فقط لمنع أبناء بلاد طيبة من شريان الحياة. وكأن حضارة الحبشة متوقفة على قتل الزرع والضرع في مصر المحروسة، وليس بناء وتنمية في بلاد إثيوبيا الغنية بالموارد.
ما نمر به الآن، من مواجهة سياسية، مع إثيوبيا. هو استمرار لمجابهة نفس الفكر القديم. فهم يتعاملون معنا. ليس بإعتبارنا أصحاب حق، ولا بإعتبارنا شركاء في حيازة مياه تنزل في الأساس. علينا جميعًا، من السماء، التي يملكها رب العباد. ولكنهم يتعاملون مع المصدر الأرضي الذي يستقبل قطرات سقطت من السحاب. وكأنه صاحب توجيه مليارات الأمتار لمن يريد. رغم أن طبيعة اليابسة التي خلقها رب الكون أيضًا. تجبر الجميع على مسار المياه نحو الشمال، لتسقط في النهاية عند البرزخ. الذي خلقه ربنا الكريم، قبل البحر المتوسط، ليجسد آية من آياته في الدنيا.
المعركة مع إثيوبيا، هي اشتباك فكري في الأساس، لأن القناعات الموروثة، عند أصحاب القرار، هي في الأساس تعتمد على ضرورة إيقاف التنمية لديك، قبل أن تحصل إثيوبيا على خير يماثلك، أو حتى يتفوق عليك.
فلو كان الملء الثانى، الذي يمكن تنفيذه في سبع سنوات، لو كان يتطلب تنفيذه عامين فقط حتى لا يسبب ضررًا لمصر والسودان، كانت إثيوبيا ستطلب أن يتم في ستة أشهر، لأن الفكر هناك مرتبط بضرورة تحقيق الضرر بنا، قبل أن يُحقق المنافع لإثيوبيا!!
إنها مسألة قناعة حبشية، ترى فينا أصحاب حضارة كبيرة وتاريخية حدثت بسبب النيل، وكأن هذا النهر. الذي يبدأ من عندهم، وبكميات مياه مضاعقة، لم يرتدِ ثوب الحضارة، إلا عندما تجاوز الحدود إلى وادى النيل في مصر والسودان، ولا تعرف لماذا لم تنشأ الحضارة عندهم منذ آلاف السنين، وجاءت إلينا تركض.
وهل يعتقدون أن سدهم سيمنع حضارتنا من التقدم، أو أنه سيقتل الحياة عندنا.. أبدًا.. سيزيدنا إصرارًا على التنمية، والبناء، والبقاء مصدرًا للحضارة الإنسانية، رغم أننا لسنا مصدرًا للمياه!
أيها المصري لا تقلق.. نحن نثق في قيادتنا، ونعرف أن خطوات صاحب القرار محسوبة. فنحن نسعى للحياة، ولكننا لن نسمح لأحد بأن يمنع عنا سرها، ونحن نسعى للتنمية ولا نرفض التعاون مع من يريدها شراكة لا يجور فيها طرف على الآخر. وتأكد أن هذه القيادة مازالت تملك أوراقًا متعددة. وأن السلمية والدبلوماسية هي الورقة الأقوى. فلا تقلق لأنها أوراق تحتاج للصبر. والوقت والجهد السياسي والعمل بلا كلل!
أيها المصري.. هذه مياهك، أنت وشقيقك في السودان. لن تفرط فيها دولتك القوية، التي تمد يدها للجميع. لكي يتم التعاون من أجل البناء، والتنمية. وتطوير الحياة، وتقدم البلاد والعباد. في مصر والسودان، وإثيوبيا. وكل دول حوض النيل. فنحن لا نسعى لإيقاف التنمية أو منعها عن أشقاء النيل. ولكننا لن نسمح لأحد قريب أو بعيد بأن يوقف الحياة على أرضنا. وإلا سيصبح الثمن غاليًا، وهو مقابل باهظ سيدفعه الجميع. داخل حوض النيل وخارجه!
أيها المصري.. قل لقيادتك، واثقون في قدرة كل أجهزة الدولة على حماية كل قطرة مياه، قررتها المواثيق الدولية لصالح مصر.. قف خلف متخذ القرار وقل له «نحن معك في كل الأحوال» وسنحمي مياهنا، معك، من كل سوء!
حفظ الله مصر من كل شر.. وحفظ مياه النيل من عبث العابثين.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا