خُطوة جيدة.. ما يجرى من حفظ التحقيقات في قضايا التمويل الأجنبي التي اتهمت فيها عشرات من منظمات المجتمع المدني منذ ما يقرب من 8 سنوات.. وخاصة المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان.. وتتوالى القرارات الصادرة من قضاة التحقيق. بأن لا وجه لإقامة الدعوى أمر مبشر بأننا مقبلون على أوضاع جديدة في هذا البلد.
فالمجتمع المدني الوطني ليس خصمًا للحكومة وللدولة ولكنه مكمل لها في جميع المجالات الخاصة بالتنمية.. وهو الضمير الحي للمجتمع الذى يملك في يده جرسًا ينبه الحكومة والسلطة إلى أخطاء قد تقع وأي أخطاء ستقع، وهو أمر لا غنى عنه لأية حكومة تريد تحقيق إنجازات تنموية حقيقية.
فالمجتمع المدني بمفهومه الواسع هو جزء أساسي من خطة الدولة التنموية فهو يصل إلى أماكن قد لاتصل إليها الحكومة ويساعد في الوصول إليها، وقضية حقوق الإنسان في مقدمة هذا العمل، فالدولة المصرية وقّعت على أكثر من 100 اتفاقية تحدد وتنظم ممارسة الحقوق ولا تقيدها بل وتلزم الحكومات على تمكين مواطنيها من ممارستها وفق إطار ثانوي محلي متوافق معها، خاصة أن حقوق الانسان كتلة واحدة ولا توجد حقوق ذات أولوية عن الأخرى، والمجتمع المدني هو العمود الثاني من أعمدة التنمية وهو متقدم على القطاع الخاص والإعلام في الترتيب بعد الحكومة في تحديد الأولويات المجتمعية، فهم وفق لاتفاقيات الأمم المتحدة وخطة التنمية الأممية 2030 شريك من شركاء التنمية التي يجب أن يقوم بوظائفه دون وضع قيود مجحفة على عمله.
والدولة المصرية عرفت المجتمع المدني مبكرًا وعرفت دورة التنموي. والذي تمثل في مشاريع خدمية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات وروابط شاركت في النضال الوطني ضد الاستعمار الإنجليزي. وشاركت في بناء اقتصاد قوي اعتمدنا عليه في أيام النكسات والهزائم. التي شهدناها في سنوات صعبة مرت علينا.
فقرارات قضاة التحقيق بحفظ التحقيقات ورفع العقوبات عن قيادات الجمعيات الأهلية التي اتهمت بأنها حصلت على تمويلات غير مشروعة أكدت ما قلناه عندما بدأ التحقيق فيها، وقلنا إن المعلومات التي أقيمت عليها خاطئة وقتها كانت إحدى القضايا متهمًا فيها عدد من العاملين الأمريكان أو من يحملون الجنسية الأمريكية، وفوجئنا وقت الإخوان بتدخل خيرت الشاطر والإفراج عنهم وإخراجهم بطائرة خاصة وحكم على المتهمين المصريين.
وتواكب بعدها حملة إعلامية هاجمت كل المنظمات ولم تفرق بين المنظمات المرخصة وفق قانون الجمعيات الأهلية وبين المنظمات التي تعمل وفق قوانين أخرى؛ منها قانون الشركات، وكان الهجوم شرسًا حتى إن المواطنين البسطاء أصبحوا عندما يقابلون أحدًا من العاملين في هذه المنظمات يحسبونه مليونيرًا.
ووصل الانطباع عند الناس أن الممولين الأجانب جماعة من البلهاء. يلقون أموالهم إلى أي أحد يطلب منهم بدون خضوعهم للمراقبة من بلادهم. ووقتها قلنا إن التمويل السري لا يأتي للجمعيات الحقوقية. ولكن يأتي للجمعيات الدينية الكبرى. وإن هذه التمويلات استخدمت في تمويل حملات انتخابية رئاسية، واستخدمت في تمويل كل الأحداث الإرهابية التي شهدتها مصر؛ لأنها كانت تأتي في الحقائب الدبلوماسية، أو مهربة عبر البضائع المستوردة وخاصة من تركيا.
لكن الكل تغاضى عن هذا الأمر، وتم التركيز على منظمات المجتمع المدني الشرعية. التي جاءت القرارات المتتالية؛ لتؤكد بعد سنوات طويلة من التحقيقات صحة مواقفها القانونية والمحاسبية. وهو الأمر الذي يعد خطوة في مشوار تصحيح العلاقة بين شركاء التنمية في هذا البلد. الذي يحتاج لجهود المخلصين من أبنائه.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا