كل من يظن أن حل أزمة سد الموت الإثيوبي ستكون على يد أمريكا أو روسيا أو إثيوبيا يقع في خطأ جسيم؛ لأن التاريخ هو من يؤكد أن الحل بيد مصر والسودان فقط لا بيد أي دولة أخرى. فقد دخلت مصر حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر ١٩٧٣. وكانت كل المؤشرات والإشارات السياسية والحقائق تؤكد أن إسرائيل احتلت فلسطين والأراضي العربية في يونيه ٦٧ بدعم عسكري وسياسي واقتصادي مباشر من أمريكا وتواطؤ من الحليف السوفيتي لمصر بعدم إمداد مصر بالسلاح، الذي تحتاجه مصر لدخول معركة تحرير أرض سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. وفي نهاية الأمر، وبعد كثير من الغطرسة الصهيونية، والدعم الأمريكي والأوروبي المباشر لها في كل المحافل الدولية خاضت مصر الحرب وانتصرت بفضل الله سبحانه وتعالى. ثم بالقوة البشرية التي تم تدريبها جيدًا ثم بالقرار السياسي الذي أخذ بكل الأسباب العلمية والتكنولوجية المتاحة له في هذا التوقيت.
الأزمة التي تواجهها مصر والسودان أخطر بكثير مما كانت عليه. فهي أزمة تهدد وجود الدولتين. وتشريد وتهجير أكثر من مائة وخمسين مليون مواطن. والمجتمع الدولي كله يبدو وكأنه متواطئ مع إثيوبيا. لم يحدث تدخل جاد منه لحل الأزمة، أو الضغط على إثيوبيا التي خرقت كل القوانين والأعراف الدولية، وترفض الاعتراف بكل المعاهدات والمواثيق المعترف بها دوليا، بل وتتلاعب بها. فهي تعترف بها وتستخدمها مع بعض دول الجوار في ترسيم الحدود. وترفض نفس الاتفاقية في التعامل مع السودان في ترسيم الحدود. كما أن القادة الإثيوبيين يفضلون دائما الحوار باستخدام السلاح لحل كل قضاياهم. ولعل حروب إثيوبيا مع أريتريا والصومال وقبائل التيجراي والأورومو خير مثال وشاهد على ذلك. وبعضها استمرت الحرب فيها سنوات طويلة. وهي تفرض الأمر الواقع بالقوة. كما فعلت عند إنشاء السدود على الأنهار المشتركة بينها وبين كينيا والصومال. مما تسبب في تشريد مئات الآلاف من السكان في الدولتين. ويبدوا أنها تظن أن هذه السياسة ستنجح مع مصر والسودان. وهذا هو الوهم بعينه؛ لأن المشكلة هذه المرة تختلف؛ لأن القدرات البشرية والعلمية والاقتصادية والعسكرية لمصر والسودان تختلف تمامًا عن إمكانيات أريتريا والصومال وكينيا.
أما عن الأوضاع الداخلية لإثيوبيا، فهي حروب أهلية متواصلة وصراعات تصل إلى حد المجازر. ولكن بدون إعلام ينشر ما يحدث فيها. فنحن نجد اهتمامًا إعلاميًا من كل الفضائيات لأقل حدث يحدث في مصر من قناة الجزيرة وغيرها. وتخصص لها ساعات من البث المباشر. وتستضيف الخبراء من كل دول العالم للإدلاء بآرائهم. وكذلك القنوات الفضائية الأخرى. أما الحرب التي شنها أبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام بالاشتراك مع الجيش الأرتيري على إقليم التيجراي الإثيوبي والمجازر والسلب والنهب وتشريد مئات الآلاف فمر وكأنه لم يحدث. ولم تخصص له الساعات للبث المباشر ولا خبراء ولا غيرها؛ لأن هناك اتفاقًا ضمنيًا بالتعتيم على كل ما يفعله سفاح إثيوبيا آبي أحمد ضد مواطنيه من التيجراي والأورومو وبني شنقول السودانية الأصل، وقبائلها العربية. ولا أدري لماذا لا ندعم على الأقل أقليم بني شنقول للعودة إلى أحضان السودان. خاصة بعد البيان السوداني الذي وضح فيه لإثيوبيا أن عدم اعترافها الاتفاقية ١٩٠٢. والتي تمنع إثيوبيا من بناء هذا السد يعني عودة إقليم بني شنقول للسودان كما كان.
الحل الوحيد في يد مصر والسودان لا في يد أمريكا ولا روسيا ولا الاتحاد الأوروبي ولا الدول التي تحاول الاستفادة من الأزمة والجميع يعلم أن كل الحلول مطروحة لحل الأزمة. ولكني أرى أن هناك حلًا وحيدًا هو إزالة سد الموت الإثيوبي. ورد إقليم بني شنقول للسودان عاجلًا.