إذا اختفى «المتطفل»، و«الفضولي» الذي يحشر أنفه في كل شيء، مدعياً المعرفة بالشؤون العامة، وملمحاً إلى أنه قريب من مصادر الأخبار، وإذا اختفى «الثرثار» الذي يتكلم بمناسبة وبغير مناسبة، «المكلمة» المتنقلة بين المجالس سابقاً، وعبر المواقع والمنصات والمجموعات في برامج وتطبيقات التواصل الاجتماعي حالياً، «المنخل» الذي ينخل ما ينخل وما لا ينخل، و«المشخلة» حاملة الشوائب، أقول لكم، إذا اختفى كل أولئك الذين سبق ذكرهم ستختفي الشائعة.
قديماً كان ناقل الكلام ينظر إليه بنظرة دونية. يعامل معاملة المتخلفين، ويحذرُ منه الجميع، يتجنبونه. يشعرون بأنه «ممسوس» لديه تخلف ذهني، ويستعيذون بالله منه، يخافون من ردات الفعل على «شائعاته». التي يطلقها فإن نصحوه تمادى، وإن حذروه زاد من رواياته المؤلفة في لحظات تخيل يعيشها مع نفسه. فإذا حضر مجالسهم صمت الجميع، خشية تأويله لكلامهم عند الآخرين. وإذا طرح موضوعاً تجاهلوه، وإذا فاض الكيل. وهذا يحدث في الغالب، يطرد ذلك «الفتان» غير مأسوف عليه.
اليوم أصبحت لديهم وسيلة يصلون من خلالها إلى كل الناس في بضع ثوانٍ، أربعون كلمة وضغطة زر، وتشاع الشائعة، تسري كالنار في الهشيم، ومن شخص إلى شخص تطرح التساؤلات، هل سمعت؟ هل عرفت؟ هل وصل إليك هذا؟ جهلة يستعيرون كلام جاهل، والجهل هنا ليس جهلاً علمياً، وليس جهلاً معرفياً، بل هو جهل أخلاقي، قد يصدر عن شخصية عامة لها مكانة، يفترض أنها «دقيقة» و«حريصة» و«واثقة»، وللأسف هي، أي الشخصية المهمة، لا تستخدم تلك الأدوات الواجبة عند نقل معلومة أو نشرها والترويج لها، يعودون إلى ما قبل العلم والمعرفة، وينزعون عن أنفسهم صفاتهم وألقابهم، يردمون الهوة التي تفصل بينهم وبين أنصاف المتعلمين وغير المطلعين، فيسقطون، وتكون سقطاتهم مدوية، ويصبحون مادة للسخرية، فيتداركون بعد أن «غرزت الفأس في الرأس»، فيمسحون تغريداتهم كما يمسح العار، ولكن «المنسوخ» ما زال يتداول كاشفاً فعلة «الممسوخ»!