الفن إبداع، ذلك أولاً وثانياً وثالثاً، ثم وبعد الغرض من وجود هذا الإبداع يكون الفن مصدراً للرزق، بالنسبة للممثل، وهو الأساس، وللمنتج والمخرج، وما بينهما من متخصصين، كل واحد يبدع في مجاله.
وعندما تطغى المادة على الجودة، ويصبح الفن طريقاً نحو الإثراء، ويكون الكم هدفاً، تضيع الملامح الإبداعية، ويتحول العمل الدرامي المرتبط «قسراً» بشهر رمضان وحرب التميز بين المحطات مجرد تركيبات تمثيلية، من أشخاص وأحداث واستعراضات، بينما التفاصيل تائهة يكاد المخرج أن ينساها، لا، بل ينساها، ويتجاوزها قافزاً من فوقها، وتاركاً المشاهد يبحث عن إجابات.
أصبح رمضان «حصالة»، وقد سمعنا عن ممثلين يصورون أربعة مسلسلات في وقت واحد. وفي كل مسلسل دور وشخصية وأحداث وحوارات. و«سوبرمان» ينتقل من شخصية إلى أخرى. ومن حوار إلى حوار آخر، ويعيش بين وقائع متناقضة، والإرهاق مرسوم على ملامحه. يضغط على نفسه. يحاول أن يكون بحجم العمل الذي يؤديه. ولكنه يقع ضحية الخلط الذي يعيشه، ولا يخفف عنه إلا تذكر أرقام المردود الذي سيجنيه.
وفي الجانب الآخر أصبح العمل الإبداعي وسيلة تستغل من المنتجين، وبشكل سيئ، حتى إن البعض بدأ يوظف القضايا السياسية الطافية على السطح بأسلوب الإقحام. ما يجعلك تخرج بقناعة تامة بأن القصد ليس إثراء الفن، بل «ركوب موجة»، ولأن الموجة عمرها قصير. يكون ذلك الإقحام ذا نتائج عكسية.
مشكلتنا في رمضان أننا جعلناه «شهر مسلسلات» بأمر من محطات التلفزيون. تلك التي تنام أحد عشر شهراً، وتستيقظ في هذا الشهر الفضيل، فتنسى قيمه ومكانته، وتركز على ما يصلها من الآخرين، وليس ما تنتجه، فيكون الناتج وقوع الجميع ضحية «اللهث» من قبل مجموعات منتجة مستهترة لا تحترم المشاهد، ولا تقدر مجتمعاتها، وتقدم لنا شيئاً يفترض أنه فن وإبداع، ولكننا وللأسف الشديد ما إن نشاهد حلقة واحدة حتى نشعر بأن الفن قد «ذبح» مع الإبداع!