أزمة سد النهضة باتت القضية الأولى التي تشغل الرأي العام المصري بكل فئاته وطوائفه، ليس باعتبارها قضية حياة. ولكن أيضاً باعتبار أن النيل جزء من تشكيل جغرافية مصر منذ ملايين السنين، وباعتبار أن مصر مقرونة بالنيل على مدار العصور والأزمنة.
وليس أدل على ذلك من وصف هيرودت لمصر بأنها هبة النيل، كما تقف حضارة مصر الفرعونية الضاربة في جذور التاريخ شاهدة على هذه العلاقة الوطيدة التي جعلت المصريين القدماء يقدسون النيل ويقيمون له احتفالًا سنويًا، وربما لا يعلم كثيرون أن المصريين هم من أطلقوا اسم «النيل» على هذا النهر منذ آلاف السنين. وهو ارتباط أعمق وأكبر من كل القوانين الدولية التي تنظم حقوق المياه في الأنهار الدولية. والمؤكد أنها تحفظ حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل.
ولكن المشكلة الحقيقية هي في إثيوبيا على صناعة أزمة مع مصر والسودان من خلال المراوغة ومحاولة فرض الأمر الواقع والاستحواذ على مياه النيل بالمخالفة للقرارات والأعراف الدولية.
وبالرغم من أن إثيوبيا تعى جيداً أن هذا أمر لن تسمح به مصر مهما كلفها، إلا أن الإصرار على التعنت يعني أن هناك من يدفعها إلى ذلك، وكلنا يعلم أن إثيوبيا هي ثاني أفقر دولة في العالم وتعاني من الأزمات والصراعات العرقية الشديدة، وكان يمكن أن تقيم سدًا يحقق لها التنمية وتوفير الطاقة بالاتفاق مع مصر والسودان وعلى قدر إمكاناتها. بعيداً عن هذ السد الذي يفوق قدراتها ويهدد الحياة في مصر والسودان مما يؤكد سوء نيتها.
للأسف الشديد قضية سد النهضة كشفت الغطاء عن دول شقيقة وأخرى صديقة. كانت تدعى طوال سنوات مضت أن تقف بجوار مصر. سواء من خلال البيانات الرسمية أو المؤتمرات الإعلامية من خلال شعارات وكلمات معسولة. حتى وصلنا إلى الموقف الحالي الذي باتت فيه قضية سد النهضة قضية شعبية مصرية، وليست قضية نظام أو دبلوماسية مصرية.
وإذا كان الرئيس التونسي قيس سعيد في زيارته قبل أيام للقاهرة قد أعلن بوضوح أن تونس تقف مع مصر وأمنها القومي في قضية سد النهضة، وهو أمر لاقى ترحيبًا شعبيًا مصريًا وزاد من ترسيخ أواصر الصداقة والأخوة مع الشعب التونسي.. فإن تساؤلات المصريين الآن باتت واضحة تجاه عدد من الدول الشقيقة. التي تسهم بشكل كبير في الاقتصاد الإثيوبي وعملية بناء السد.
وفي اعتقادي أن أخطر ما يواجه الدول الشقيقة قبل الدول الصديقة هو تحول الشعور العام الشعبي في مصر تجاه كل من يساعد إثيوبيا، ولم يعد سراً أن المصريين الآن يتبادلون المعلومات على السوشيال ميديا عن الدول التي تساعد إثيوبيا، بنحو سبعة مليارات دولار، وأيضاً الصين والولايات المتحدة بحوالي ستة مليارات دولار.. وفي اعتقادي أن الاهتمام الشعبي غير المسبوق بهذه القضية وتداول المعلومات بهذا الكم الهائل على وسائل التواصل الاجتماعي. أمر شديد الخطورة على العلاقات الشعبية. حتى وإن ظلت العلاقات الرسمية في أعمق صورها. لأن غضب الشعب المصري تجاه الأشقاء يشكل خسارة كبيرة، لا توازيها أي مكاسب سياسية ضيقة ولا تعوضها مئات المليارات.
الآن حانت اللحظة التي يعلن فيها كل الأشقاء مواقفهم بوضوح أمام مصر الشعبية قبل مصر الرسمية.
حمى الله مصر
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا